
الحمد لله الذي أنعم علينا بإدراك رمضان، فنسأله الإعانة والتوفيق لحسن الصيام والقيام، وأصلِّي على خير من صلَّى وصام، وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، والتابعين ومن تبعهم واقتفى أثرهم، أما بعد:
فنحمد الله تعالى ونشكره، ونثني عليه بما هو أهله أن أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، قال تعالى: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: 20]، ومنها نعمة إدراك الشهر بما فيه من النفحات العظيمة، والأجور الوفيرة، فالعاقل من عرف قيمته، فاغتنم الوقت، وحقٌّ على من فضلهم الله تعالى، ونوَّه بشأنهم من العلماء والدعاة وطلاب العلم والمفكرين والمثقفين، أن يكونوا القدوة في ذلك فيكسبوا الأجر مرتين بعملهم وباقتداء الآخرين بهم. ولعلَّ من المذاكرة الخيرة -ونحن في بداية الشهر- أن أذكر نفسي وجميع الإخوة والأخوات ببعض الوسائل والأساليب الدعوية التي تتناسب مع الشهر المبارك.
ولعلَّ –أيضًا– من المعلوم سلفًا عِظَم أمر الدعوة إلى الله بشُعَبِها وموضوعاتها المتعددة، بل هي من أجلِّ العبادات والقربات بعامة، وفي هذا الشهر بخاصة، فيجتمع للعبد أجر الزمان ومكانة العمل وفضل الحال، فسبحان من يضفي فضائله على عبادة الموفقين.
قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33]
فيا من خصَّك الله تعالى بشيء من العلم، وأكرمك بالعمل، وتفضل عليك بإدراك الشهر، إليك هذه الكلمات الموجزة، ففي الإشارة غُنْية عن صريح العبارة، ففيها ذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين.
قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات: 55]
إنَّ أول الأعمال الدعوة والنية الصادقة، والعزم الأكيد، على القيام بشيء من واجب الدعوة إلى الله، فتغرس في نفسك، وتسطر من ضمن برنامجك الرمضاني شيئًا من الأعمال الدعوية، وتعزم على أدائها وتنفيذها بقدر جهدك واستطاعتك، وما منحك الله سبحانه وتعالى من العلم والقدرة، وبحسب موقعك ووظيفتك.
وأُولى الأوليات، وأهم المهمات دعوة نفسك باستصلاحها، وتقويم معوَجِّها، وبنائها على خير الهدي، وتصفية قلبك من جميع الشوائب، والأكدار، فالنبي ﷺ يخص رمضان مع الصيام بالقيام، وأعظم به من عمل دعوي ففيه المناجاة والمناداة، وفيه اختبار النفس، كما يخص ﷺ بالاعتكاف العشر، ومن خصوصياته مدارسة القرآن فكان يدارسه جبريل ﷺ، وكان يجود بماله وأجود ما يكون في رمضان. وأنت أخي الداعية وأختي الداعية، هل جعلت لنفسك شيئًا من ذلك لترفع درجاتك، وتكفر عن سيئاتك، وتصفي قلبك، وتقوي عزيمتك للمواصلة في طريقك.
قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍۢ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185]
وقال تعالى: ﴿إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: 4] – إشارة إلى أهمية تصفية القلب والتوبة.
ومما تخص به نفسك في دعوتها لتقويمها ومحاسبتها ومصارحتها بدون مجاملة تتعب نفسك وتخادعها بها، ومن الأولويات المهمة دعوة أسرتك ودائرتك الأولى، فمن الغبن الفاحش أن ينطلق الداعية بدعوة الآخرين في مسجده واستراحته ومنتداه، وأقرب الناس إليه محرومون من الخير الذي يحمله.
قال تعالى: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ قُوا۟ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًۭا﴾ [التحريم: 6]
ومن هنا فمن الخير العميم للداعية أن يخص محيطه الأول بجزء من برنامجه الدعوي في هذا الشهر المبارك، ومن ذلك:
- حثهم في بداية الشهر على اغتنامه وتذكيرهم بذلك، والموعظة من المحب المشفق لها أبلغ الأثر على الجميع.
- إعانتهم بتقسيم الوقت على الأعمال المهمة، والعكس.
- إعانتهم على تقسيم الأعمال على الأوقات، ومثال ذلك أن يحدد لهم مقدار قراءة القرآن الكريم، أو حفظه، أو مراجعته، وكم ينفق من ماله ومتى، وكذا أن يقول أذكار الصباح في الوقت الفلاني، ومتى يجتهد في الدعاء، وهكذا.
- ومن مجالات الدعوة في رمضان: أن يجتهد الداعية في تقديم ما يستطيع لنفع الآخرين بما يحمله من العلم والهدى، ولعلِّي هنا أسطر بعض المجالات الدعوية التي يغفل عنها كثير من طلاب العلم والدعاة، فيقصرون أنفسهم في مجالات خاصة، بما يؤدي إلى حصر مفهوم الدعوة في هذه المجالات كالمحاضرات العامة أو الدروس الإعلامية، وهي بلا شك مجالات عظيمة لكن من فضل الله تعالى أن المجالات أكثر من أن تحصى في مختلف المجتمعات.
- تشجيعهم وترغيبهم، ووضع الحوافز لهم فالذي لا تفوته تكبيرة الإحرام في الأسبوع جائزته كذا، والذي يحفظ على مقدار حزبه من القرآن الكريم جائزته كذا، والتي تساعد أمها في تجهيز الإفطار جائزتها كذا.
- ومن ذلك: وضع المسابقات العامة للأسبوع، ولكامل الشهر.
- ومن البرنامج الاجتماع اليومي على الإفطار، والسحور، وتعويدهم على الدعاء في هذين الوقتين الفاضلين.
- ومن ذلك إقامة درس مبسط يومي أو كل يومين، كقراءة في كتاب، أو سماع لمحاضرة، أو إلقاء عليهم، أو سماع موعظة من أحدهم، ونحو ذلك.
- ومن ذلك سماع قراءتهم وتصويبها وتشجيعهم على ذلك، ومثله تشجيعهم على حفظ بعض الأحاديث.
- ومما يُخص به الذكور اصطحابهم إلى صلاة التراويح.
- ونحو ذلك من البرامج المتنوعة، ولكل أسرة خصوصيتها لكن الداعية يجتهد في ذلك غاية الاجتهاد.
- العناية بمسجد الحي، وإقامة درس علمي وتعليم الأحكام وبخاصة أحكام الصيام والزكاة، فضلًا على الصلاة بالإضافة إلى ما يُلقى من الوعظ والتوجيه العام.
- وضع المسابقات العلمية النافعة للحي نفسه وربطهم بالمسجد، وتوزيع الأسئلة على مختلف بيوت الحي.
- المشاركة في التفطير المقام في مسجد الحي، وتوجيه هؤلاء بحسب لغاتهم.
- تشجيع تحفيظ القرآن الكريم في مسجد الحي بمختلف أدوار التشجيع.
- الدعوة الفردية لأهل الحي في توجيههم لعمل خير، أو تصويب خطأ، أو تشجيع لعمل قاموا به.
- عمل إفطار «يوم في الأسبوع» لجماعة المسجد، والتذاكر بأهمِّ الآداب وقت الإفطار.
- تخصيص النساء المصلِّيات في مسجد الحي بمواعظ وكلمات مناسبة لهن.
- عمل بعض النصائح والتوجيهات وتوزيعها على بيوت الحي بالتنسيق مع المكاتب الدعوية.
- ما تخص به الأقليات عمل دروس مكثفة في أيام عطلات الأسبوع.
- مواعظ ودروس في الأحكام العملية وقت صلاة التراويح.
- عمل الإفطار الجماعي في المركز أو المسجد.
- الاستفادة من الهاتف من قبل العلماء ومن تأهل للفتوى بتخصيص ساعة في اليوم للإجابة عن استفسارات الآخرين.
- زيارة المساجد –غير الكبيرة– وإلقاء التوجيهات التربوية، فكثير من الدعاة يحرصون على المساجد التي يجتمع فيها المصلون بكثرة ويهملون كثيرًا من المساجد.
- المشاركة في برامج المكاتب الدعوية وبخاصة للمتحدثين باللغات المختلفة.
- المشاركة في الهاتف لإلقاء المحاضرات للأقطار المختلفة.
- تخصيص وقت يومي أو كل يومين للمشاركة في المنتديات المتعددة في الإنترنت.
- المشاركة بالمستطاع في الكتابة في الصحف والمجلات، والمجلات الإلكترونية ومواقع الإنترنت وغيرها.
- ومما تخص به النساء: مع ما تقوم به لأبنائها وبناتها مما أشير إليه في مجال الأسرة، الاستفادة من المجمعات النسوية في الزيارات العائلية ونحوها بعمل بعض المسابقات والكلمات والإرشادات.
- ومنها: المشاركة في الميادين النسوية الخاصة بهن.
- ومما يذكر للمسلمين والمسلمات الدعاء الصادق للضعفاء والمرضى والمساكين والأرامل واليتامى والمجاهدين والدعاة وللضالين بالهداية، وللموتى بالرحمة ولعلماء المسلمين وحكامهم وللمسلمين والمسلمات، فالدعاء من أسهل الأعمال ومن أعظمها أثرًا.
- ومن غير ذلك من الوسائل والأساليب الكثيرة، وكلٌّ بما يناسبه ويناسب مجتمعه ومحيطه.
ولعلِّي أختم ببعض الإشارات التي أحسب أنها مهمة في هذا الباب العظيم من الخير:
-
تجديد الإخلاص لله سبحانه وتعالى.
-
تنظيم الوقت وعدم ضياعه.
-
ضرورة التوازن في الأعمال فلا يكون عمل على حساب عمل آخر، فالقدوة ﷺ علمنا ذلك.
-
توزيع أعمال اليوم والليلة والأسبوع والشهر.
-
الاهتمام بالفرائض ثم النوافل والمستحبات.
-
إعطاء النفس حقَّها من العمل الخاص بينها وبين الله ﷻ وتزكيتها في ذلك.
-
العمل بما تعظ الناس به وتذكرهم به.
وسدد الله الخطى وأصلح النيات والأعمال وتقبل من الجميع، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

كيفية مناصرة الداعية للنبي عليه الصلاة و السلام
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد: فإنَّ مكانة النبي عليه الصلاة والسلام في...

كيف نخدم السُّنة النبوية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: منزلة السُّنة النبوية: تعدُّ السُّنة النبوية مصدرًا أساسيًّا...

سب الصحابة رضي الله عنهم «وقفة تأمل»
لست هنا بصدد الكلام عن فضل الصحابة رضي الله عنهم، أو بيان تعديلهم، أو إيراد الأدلة من القرآن الكريم، والسُّنة...

حديث ابن عمر رضي الله عنه في محظورات الإحرام
يقول البلاغيون: إنَّ لكل مقام مقالًا، ولكل حدث حديثًا، وهذا العدد من مجلة الإرشاد يصدر في أيام الحج، فالمقام الحج،...

حديث ومعنًى: كل عمل ابن آدم يضاعف
مجلة الإرشاد للحرس الوطني عدد رمضان 1423هـ. يصدر هذا العدد المبارك من مجلة الإرشاد في هذا الشهر المبارك، والمسلم يتطلع...