
مدخل:
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فلا يخفى على مسلم بصير بدينه أنَّ الدعوة إلى الله وتبليغ دينه إلى عامة الناس من أهم الواجبات، قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل: 125] وقال تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104].
وبفضل من الله ومَنِّه وكرمه ثم بجهود السلف الصالح في دعوة الناس إلى الله قد انتشر الإسلام في جميع أرجاء المعمورة، حتى إننا لم نرَ ولم نسمع أنه بقي بلد على وجه الأرض لم يدخله الإسلام ونعمه وبركاته، وخرج الناس من ظلمات الشرك والكفر والمعاصي والجهل إلى نور الإسلام والهداية والإيمان والطاعة، ومع ذلك فإنَّ الحاجة إلى الدعوة إلى الله ﷻ في هذا الزمن أصبحت أشد من أي زمن مضى لما انتشر من الجهل والمعاصي والضلالات العقدية والمذهبية وغيرها. ولقرب الحج ومشاركة كثير من طلاب العلم وطالباته جاءت هذه الكلمات المختصرة؛ لعلها تكون مفيدة ومذكرة، بلغ الله الجميع الأجر والثواب.
فضل الدعوة:
والدعوة إلى الله فضلها كبير وأجرها عظيم عنده ﷻ، فقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33]، وفضلها يتضح أكثر فيما جاء في الصحيح من قول النبي ﷺ: «فوالله لأن يُهدَى بك رجلٌ واحدٌ خيرٌ لك من حُمْر النعم». وقوله ﷺ: «من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله».
ومن فضلها أيضًا أن الدعوة ميراث نبينا محمد ﷺ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 67]، وأنها سبب لاستمرار الحسنات، كما جاء في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، ويكرم الداعية بمعية النبي ﷺ لقيامه بمهمة الدعوة لقوله تعالى: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108].
فعلى الداعية إلى الله أن يجد ويجتهد في تبليغ دين الله حسب طاقته وبكل ما يملك من طاقاته ووسائله؛ بالكتابة والخطابة والتوجيه والكلمة والدروس. ومما يجب على الداعية أن يعرفه أن أهم ما يدعو إليه الناسَ هو توحيد الله ﷻ وإفراده بالعبادة وطاعة رسوله ﷺ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ﴾ [نوح: 3]، ثم يدخل في الدعوة إلى الله الأخذ بما شرع الله ﷻ في العبادات، مثل: الطهارة والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وفي المعاملات، مثل: النكاح والطلاق والجنايات، والدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، فيدعوهم إلى الإسلام كله لا يفرق بين هذا وذاك.
والدعوة مهما كانت عظيمة وذات أهمية لا يقبلها الناس إلَّا إذا اتصف الداعية بصفات حميدة وأخلاق حسنة، قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159].
صفات الداعية:
من أهم صفات الداعية وأخلاقه التي ينبغي أن يتحلى بها كل داعية وآمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر ما يلي:
1) الإخلاص، لا يمكن أن تنجح الدعوة ويصل الداعية إلى هدفه المنشود إلا بالإخلاص لله وحده، لا أجرًا في الدنيا ولا رياءً ولا سمعةً، ولا مناصرة لمذهب معين أو نشر أفكار لفلان أو فلان أو دعوة إلى حزب أو جماعة، وإنما هو مناصرة للحق وأهله، وطمع في ثواب الله وأجره، وإصلاح لعقيدة الناس وعباداتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم، ويكون شعاره: ﴿يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [هود: 51].
2) العلم، فالداعية يجب أن يكون على بينة وعلم بما يدعو إليه، يقول سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108]، والذي يدعو بغير علم قد يدعو إلى الشر ويحسبه معروفًا، أو ينهى عن المعروف ويحسبه منكرًا.
3) الحلم والرفق، إن عمليَّة الدعوة تحتاج إلى كثير من الرفق بالمدعو، والشدة في الدعوة بدون حلم ولا حكمة دليل لفشلها، ومما جعل دعوة النبي ﷺ ناجحة كونه ﷺ لينًا هينًا رفيقًا بشوشًا حليمًا، يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159]، وقد أوصى الله سبحانه وتعالى موسى وهارون عليهما السلام بالقول اللين مع فرعون وهو من أطغى الطغاة، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ۞ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ﴾ [طه: 43- 44].
4) الصبر، إنَّ الداعية قد يواجه في دعوته عدم القبول، وقد يتلقى مقابل دعوته السخرية والاستهزاء، والداعية الناجح هو الذي يصبر في مثل هذه المواقف ويتحمل الأذى ولا يغضب، وقد أمر الله تعالى نبيه ﷺ بالصبر فقال: ﴿وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ [المزمل: 10]، وبالصبر في الدعوة إلى الله تحصل معية الله ﷻ، وأجر الصابر يوفاه بغير حساب، ويدخل في ذلك: المواصلة والاستمرار في الدعوة، وعدم الاستعجال للنتائج والثمار.
5) التواضع وعدم الكبر، إنَّ الناس يحبون الرفق واللين، ويقبلون من اللِّين الهيِّن المتواضع الذي لا يطغى عليهم ولا يتكبر، يرحم صغيرهم ويوقر كبيرهم، ولا يرد آراءهم الصائبة وأقوالهم المعقولة، وللداعية في رسول الله ﷺ أسوة حسنة، فقد كان ﷺ يتعاهد الناس ويقوم بحاجاتهم مع عظم مسؤولياته، ففي مسند أحمد عن ابنة لخباب قالت: خرج خباب في سرية فكان النبي ﷺ يتعاهدنا حتى كان يحلب عنزًا لنا، قالت: فكان يحلبها حتى يطفح أو يفيض.
ميادين الدعوة:
ميادين الدعوة كثيرة، منها: المسجد، والمدرسة، والمناسبات وغيرها، ومن أهمها الحج، فإن الحاج يكون متفرغًا للعبادة، ويكون مستعدًّا للاستماع إلى القول الحسن وقبوله والعمل به، وهي فرصة ينبغي للداعية أن ييستفيد منها، ويخطط لها مسبقًا ويُعِدُّ البرامج النافعة المناسبة للحال، وقد خطب النبي ﷺ في عرفة وأيام منًى وعند الجمرات، يعلِّم الناس ويبصِّرهم بدينهم، ويبيِّن لهم مناسك الحج، كما أن رسول الله ﷺ كان لا يفوته دعوة الناس في أيام الحج وحتى قبل هجرته ﷺ، بل وفي أيام المقاطعة، فكان ﷺ يخرج من شعب أبي طالب ويدعو الناس إلى الإسلام، وفي موسم الحج عرض النبي ﷺ الإسلام على أهل المدينة سنة (11) من البعثة، فدخل ستة منهم الإسلام مما مهد لنشر الدعوة الإسلامية في المدينة الطيبة فكانت مهاجر رسول الله ﷺ فيما بعد.
الحج ذو أهمية خاصة للمرأة:
والحجُّ بالنسبة للمرأة ذو مذاق خاص، فهو جهاد للمرأة، جهادها الذي لا قتال فيه، نظرًا للمشقة التي تتحملها المرأة في أثناء الحج، ونظرًا لما تحصل عليه من الثواب الجزيل والأجر العظيم إذا حجت حجًّا مبرورًا، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله! على النساء جهاد؟ قال: «نعم عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة».
ومن هذا المنطلق نرى الحج فرصة لالتقاء الداعية بجموع غفيرة من النساء لجميع الأعمار والمستويات؛ شابات وكبيرات السن، قارئات وأميات، طالبات ومعلمات، موظفات وربات بيوت، والنساء شقائق الرجال، يجب عليهن ما يجب عليهم، ومن الواجب على المسلم والمسلمة القيام بالدعوة إلى الله، والشعور بما يجب عليهم تجاه دينهم، فلا ينبغي للداعية المسلمة أن تترك هذه الفرصة تضيع سُدًى، بل عليها قبل أن تتجه إلى مكة لأداء فريضة الحج أن تخطط تخطيطًا دقيقًا لما ستقدمه لبنات جنسها من درس وتوجيه، وتعليم وتبصير بالعقيدة الصحيحة وبفرائض الإسلام وأحكامه، وبالحج خاصة.
ولتتذكر أن اجتماعهن سيتم في مكان فاضل، وهو مكة وعرفات ومزدلفة ومنًى، وفي زمن فاضل وهو موسم الحج، وحالة فاضلة، وهي التجرد لعبادة الله وطاعته طلبًا لرضاه سبحانه، بالدعاء خوفًا وطمعًا، يلتجئن إليه ويسألْنه الجنة ويتعوذن به من النار، وفي هذا المكان والزمن الفاضلين والحالة الفاضلة إذا قدمت لهن الداعية المسلمة القدوة الصالحة والأسوة الحسنة في القول والعمل، وفي العبادة والمعاملة والسلوك، وفيما تعمل في نهارها وليلها، لكان لذلك أثر حسن في نفوسهن، وستجد منهن إقبالًا عظيمًا على امتثال الأوامر واجتناب النواهي، ولقيت فرصة ذهبية لتصحيح عقائدهن وعباداتهن، وتهذيب سلوكهن وأخلاقهن. ولكي نضمن نجاح الدعوة في الحج لا بد من وضع منطلقات في تكوين برنامج ناجح للدعوة في الحج، تتلخص فيما يلي:
1) الشعور بالتعبد في الدعوة في الحج، إن من يريد الحج ويحرم من الميقات يشعر بأنه في عبادة الله وطاعته باستمرار حتى يطوف طواف الوداع ويرجع إلى أهله داعيًا الله سبحانه أن يتقبل منه ويجعله حجًّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا وسعيًا مشكورًا وتجارةً لن تبور، ولاستشعاره أنه في عبادة مستمرة يحرص كل الحرص على الامتثال بأوامر الله والاجتناب عن نواهيه، ويأتي بأعمال الخير بما يستطيع، ولا شك أن الدعوة إلى الله من أفضل الأعمال وأجلِّها، وثمارها أبدية، فعلى الداعية المسلمة أن تستشعر التعبد لله في دعوتها إلى الله في هذا الزمن الفاضل، ولا تترك فرصة إلا استغلتها لصالح دعوة الحق، ولتتمسك بجميع الأساليب والوسائل الشرعية للدعوة إلى الله، فتجمع بين عبادة الحج وعبادة الدعوة، فتقوم بها متعبدة وعلى بصيرة.
2) الإخلاص، لا يمكن ضمان نجاح الدعوة إلا بالإخلاص فيها، بل فضل أي عمل يعد بما بُذل فيه من إخلاص، ففضل الصلاة في الخشوع فيها واستشعار عظمة الله فيها، وفضل الزكاة في كونها خالصةً لله ﷻ خاليةً عن المنِّ والأذى، وفضل الصيام والقيام في كونهما مع الإيمان والاحتساب، وفضل الحج في كونه مبرورًا، ولا يكون مبرورًا إلا إذا أتي به على وجه الإخلاص وكان مطابقًا لما أمر به النبي ﷺ، والدعوة إلى الله كذلك، لا تلقى القبول من الناس، ولا تحقق ثمارها إلا إذا كانت خالصة لوجه الله ﷻ وعلى وفق ما جاء به نبينا محمد ﷺ.
3) تحديد الهدف أو الأهداف، على الداعية المسلمة قبل أن تخطط برامجها أو تنفذ ما تريد من درس أو موعظة أو توجيه وغير ذلك أن تحدد الهدف، وتسأل نفسها: ماذا أريد أن أحققه من هذا البرنامج أو هذه الكلمة أو ذاك التوجيه، ولها أن تحدد من أهداف الدعوة في الحج مثلًا:
- تصحيح الحج وعدم الوقوع في الأخطاء.
- تصحيح الأخطاء العقدية.
- تبصير المرأة بمسؤوليتها وواجباتها البيتية والعبادية وغيرها.
- تقويم المظاهر السلوكية الخطأ للمرأة. وغيرها من الأهداف، وتكون صياغة الأهداف بحسب نوعية المشاركات معها.
4) معرفة الإمكانات الموجودة في الحملة، مثلًا: مكانها – الكتب – الأدوات المستخدمة؛ لأن هذه الإمكانات تساعد في صياغة برنامج منوع مفيد.
5) معرفة النوع الموجود من المتلقيات، وذلك حتى تقدم الدعوة بأساليب تتناسب مع هذا النوع، لأنَّ بعض الأساليب لا تناسب إلا شريحة من الناس، ولذلك عندما بعث النبي ﷺ معاذًا إلى اليمن عرَّفه الشريحة المستهدفة بالدعوة إلى الله بأنهم أهل الكتاب، ففي الصحيحين أن معاذًا قال: بعثني رسول الله ﷺ قال: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلِمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب».
6) أن يكون البرنامج سليمًا من الناحية الشرعية، فلا تتخذ من الوسائل والأساليب ما لا يتفق مع الشرع الحنيف، لأن الوسائل والأساليب غير الشرعية لا تجوز، ومن ثَمَّ لا تخدم الدعوة والمدعو أبدًا، بل إثمها يكون أكبر من نفعها.
7) تنوع البرامج، البرامج الدعوية إذا كانت على نمط واحد فإن المدعو قد يمل، لذا لا بد من تقديم البرامج المتنوعة، والذي حضر البرنامج مع الملل والسآمة لا يستطيع الانتفاع بحضور هذا البرنامج، ولكن إذا كانت البرامج متنوعة شدت انتباه المستمعات، وتركت أثرًا عميقًا في قلوبهن ومن ثَمَّ على سلوكهن.
8) إشراك الجميع في البرنامج، إن الداعية المسلمة الناجحة لا تركز على فئة دون فئة أخرى، لأن الجميع في حاجة إلى تصحيح العقائد والعبادات والسلوك، وكل الناس لهم حق في الفوز بالجنة والنجاة من النار، وإرضاء ربهم والابتعاد عن سخطه.
وبناءً على ما سبق أذكر بعض الأساليب والبرامج التي طبقت وكانت ناجحة بإذن الله ﷻ، مع مراعاة ما ذكرناه في صفات الداعية والمنطلقات:
- شرح مناسك الحج يوميًّا ولو بالفيديو عن طريق بيان صباحي، وتكرار هذا الشرح في سائر اليوم، فلا تعتقد الداعية أن الجميع يفهمن من أول مرة، والتأكيد على ما يحصل فيه من اللبس.
- المحاضرات والندوات بحسب نوع الموجودات مع تحديد موضوعاتها، ويتنبه إلى ألَّا تكون هي البرنامجَ الغالب على الحملة كما هو حال كثيرات.
- تحديد شيء من حفظ القرآن الكريم، ويكون يسيرًا، مثل قصار السور للمستوى الأدنى، والسور والمقاطع التي تُقرأ عادةً في الصلوات المكتوبة للمستوى الأوسط، والجزأين الأخيرين من القرآن للمستوى الأعلى.
- المسابقات، وتكون هادفة، مثل السؤال في أركان الحج، وشروط الصلاة، وكيفية الوضوء، إلخ. وحسب مستوى الحاضرات.
- مقالات صغيرة، تشارك فيها الحاضرات، وتوضع في لوحة الإعلانات.
- مشكلة وحل، ويركز على المشكلات الاجتماعية؛ كمشكلات المرأة مع زوجها، أو مع أولادها.
- قصة وتعليق، وتتنوع القصص، فتارةً من قصص القرآن، وأخرى من السُّنة، وأخرى من الواقع، مع التعليق عليها.
- فتاوى الحج، سؤال وجواب، ويستفاد من فتاوى الحج للعلماء الموثوق بهم.
- ربط الحجاج بصفة حج النبي ﷺ، ويكرر هذا بوضوح.
- تشغيل الأشرطة النافعة: التلاوات، الخطب، الدروس؛ وبخاصة في الحافلات، ويشترط ألا يؤذي نائمًا أو مريضًا ونحو ذلك.
- تقديم الحوافز التشجيعية النافعة مثل الكتاب.
- إذاعة المخيم، وتكون برامجها قصيرة ومنوعة.
- الاستفادة من خبرات الأخريات في الحملات الأخرى.
- تهيئة هواتف أهل العلم للاستفسار والفتاوى عن مسائل الحج، والتنسيق مع عدد منهم، فالدولة –وفقها الله تعالى– انتدبت عددًا كبيرًا للفتوى والدعوة في الحج، وعليها أن تحذر من الفتوى بغير علم، أو لأنها وجدت هذه المسألة في كتاب كذا.
- تقسيم البرنامج على الوقت، ولا بد أن يكون واضحًا معلومًا لدى الجميع.
- القدوة في القول والعمل، والحزم مع النفس، من الداعية نفسها، فالجميع ينظرن إليها ماذا تفعل فسيفعلن مثلما تفعل، فتكون قدوة في مظهرها وعبادتها واستغلال وقتها.
- موازنة الداعية بين أعمالها التعبدية وخدمة الأخريات، فلا تنسى نفسها على حساب الناس، ولا تنسى الناس على حساب نفسها.
أخطاء يجب أن تتجنبها الداعية في الحج:
- أن تقصد الداعية من دعوتها إلى الله الرياء والسمعة أو العاجلة قبل الآجلة، فيكون همُّها ماذا قال عنها الناس، وبم مدحها الناس، وهكذا.
- ألا تكون غامضة، بل عليها أن تقوم بهذا العمل الجليل بكل وضوح، وتسير على بصيرة، فهي واضحة في كلامها ومقالها وعملها وبرنامجها.
- ألا يناقض عملها قولها، ولا تكون ممن يأمُرْن الناس بالبر وينسَيْن أنفسهن.
- ألا يُداخلها الكبر لأنها صارت مرجعًا للحاضرات في مخيمها في أمور دينهن.
- أن تعلم أن (لا أدري) نصف العلم، فلا تقول فيما لا تعلم، وتُرجع الفتاوى إلى أهلها، والله سبحانه وتعالى قد حرَّم أن يقول الناس على الله ما لا يعلمون، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 33].
- أن تجتنب الإفراط والتفريط في الدعوة، فلا تقصر ولا تتجاوز الحد، والطريق الوسط هو المطلوب في جميع الأمور، وخير الأمور أوسطها.
- ألا تكون عبوسًا، فإنَّ طلاقة الوجه تبشر بالخير، ويقبل عليها الناس، والوجه العبوس يسبب نفور الناس.
- أن تحذر من الفتوى بغير علم، فهناك فرق بين التوجيه والدعوة وبين الفتوى في المسائل العلمية، ولا يلزم منهما التلازم كما يظنه بعض الدعاة.
- الحذر من استغلال الحج لمقاصد خاصة كالبيع، فتبيع سلعتها فتشتري منها الحاضرات لأنها الداعية.
- لكل مقام مقال، فتحذر من إحراج الناس فلا تضع برامج وقتَ راحة الحاجَّات أو انشغالهن بمآكلهن ومشاربهن.
- الحذر من أن يغلب في الحج جانب الترهيب والتخويف، فالحج ميدان الترغيب والفأل، فلا تكثر الداعية من موضوعات الموت، القبر، التكفين، التغسيل، النار، بل تركز على: المغفرة، الجنة، السعادة، الفأل الحسن، هكذا نصوص الحج.
برنامج يومي مقترح للداعية:
بعد صلاة الفجر:
- قراءة كتاب الله، أو حفظ شيء منه، ويكون الجميع على مجموعات بحسب المكان، والمستوى، والعمر (نصف ساعة).
- شرح حديث يهم المرأة (ربع ساعة).
- منسك اليوم.
- راحة حتى الإفطار.
- مسابقة (من ربع ساعة إلى نصف ساعة).
- جلسة أسرية بحسب المستوى (موضوع يهم المرأة) (من ربع ساعة إلى نصف ساعة).
- راحة حتى الظهر.
بعد الظهر:
- مقالات منوعة من المشاركات في المخيم، مثل حكمة وشرحها، قصة وتعليق، مشكلة وحل (حتى الغداء).
- بعد الغداء راحة حتى العصر.
بعد العصر:
- درس عام أو أسئلة وأجوبة (نصف ساعة) ويُستَثنى يوم عرفة للتفرغ للدعاء والذكر، ويؤكد على ذلك.
- تترك كل واحدة وشأنها (قراءة قرآن، مطالعة، ذكر، وغير ذلك).
بعد المغرب:
- محاضرة عامة وفي الغالب مشتركة مع الرجال.
بعد العشاء:
- كلمة (تكون استعدادًا لأعمال الغد).
- عَشاء ونوم.
ملحوظات:
- كل مخيم له ظروفه فينسق البرنامج بحسبه.
- توزع جوائز كل يوم بيومه.
- يُلحَظ أوقات الرمي والطواف، فلا تشغَّل حينئذ ببرامج جماعية.
يجب أن تهيئ الداعية الكتب اللازمة، ومنها:
- في العقيدة: كتب الأصول الثلاثة وشرحها، وأحد شروح كتاب التوحيد.
- في الفقه: صفة الصلاة لسماحة الشيخ ابن باز، والملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان.
- في الحج: التحقيق والإيضاح لسماحة الشيخ ابن باز، ودليل الحاج والمعتمر، وفتاوى اللجنة الدائمة.
- في الحديث والأخلاق والسلوك: رياض الصالحين، الأربعون النووية، زاد المعاد.
- فيما يخص المرأة: أحكام تخص المرأة، فتاوى النساء.
- مطويات عن أعمال الحج، وغيرها.
هذه إشارات لعلها تكون مُعِينة للداعيات في هذه الأيام الفاضلة ونافعة للجميع، رزقنا الله وإياكم الإخلاص في الأقوال والأعمال، والسير على هَدْيِ نبينا محمد ﷺ، وتقبل من الجميع حجهم وأعمالهم، إنه سميع قريب، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

كيفية مناصرة الداعية للنبي عليه الصلاة و السلام
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد: فإنَّ مكانة النبي عليه الصلاة والسلام في...

كيف نخدم السُّنة النبوية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: منزلة السُّنة النبوية: تعدُّ السُّنة النبوية مصدرًا أساسيًّا...

سب الصحابة رضي الله عنهم «وقفة تأمل»
لست هنا بصدد الكلام عن فضل الصحابة رضي الله عنهم، أو بيان تعديلهم، أو إيراد الأدلة من القرآن الكريم، والسُّنة...

حديث ابن عمر رضي الله عنه في محظورات الإحرام
يقول البلاغيون: إنَّ لكل مقام مقالًا، ولكل حدث حديثًا، وهذا العدد من مجلة الإرشاد يصدر في أيام الحج، فالمقام الحج،...

حديث ومعنًى: كل عمل ابن آدم يضاعف
مجلة الإرشاد للحرس الوطني عدد رمضان 1423هـ. يصدر هذا العدد المبارك من مجلة الإرشاد في هذا الشهر المبارك، والمسلم يتطلع...