home-icon
الحج والعشر: المناسبة والاستفادة

لن أتحدث في هذا المقال عن حُكم الحج وحِكمته وشروطه وآدابه وصفته ومحظوراته وما يترتب عليها.

أقول: لن أتحدث عن هذه العناصر مع ضرورة التفقه فيها والعلم بها، وبخاصة مريد الحج والعازم عليه؛ ليتم حجه على الصورة الشرعية الصحيحة وينال رضا الله ﷻ. وكذلك لن أتحدث عن عشر ذي الحجة وأحكامها مع ضرورة معرفة ذلك لكل مسلم في أي بقعة من الأرض. لكن يتجه الحديث في هذا المقال في وقفات سريعة عن حديث الإنسان المسلم مع نفسه في هذه المناسبات العظيمة التي تمر به وكيفية استغلالها واغتنامها ليضيف إلى رصيده من الأجور ما لا يخطر على قلب بشر.

الوقفة الأولى:

ندلف هذه الأيام لأعظم أيام السَّنة على الإطلاق التي أقسم الله تعالى بها في كتابه الكريم، ولا يقسم الله تعالى إلَّا بأمر معظم من مخلوقاته جل وعلا، قال سبحانه: ﴿وَالْفَجْرِ ۞ وَلَيَالٍ عَشْرٍ[الفجر: 1-2]  فعلى الصحيح من أقوال أهل العلم هي عشر ذي الحجة. في هذه العشر: الحج ويوم عرفة ويوم النحر: يوم الحج الأكبر وعيد الأضحى المبارك وذبح الأضاحي ونحر الهَدْيِ. في هذه العشر وما يتبعها من أيام التشريق يتمتع الحاج بأفضل زمان وأفضل مكان، ويتلبس بحال من أعظم الأحوال ويجتمع له من أنواع العبادات والقربات ما لا يجتمع لغيره. في هذه العشر نُدب لكل مسلم العمل الصالح الذي يعدل في الأفضلية من خرج إلى الجهاد بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء، أنفق ماله كله، وقُتل في سبيل الله سبحانه وتعالى. وهنا يَرِدُ السؤال المهم: ألا يحسن أن يغير المسلم والمسلمة برامج حياتهما في هذه الأيام الكريمة الغالية النفيسة الفاضلة؟

الوقفة الثانية:

من معالم تغيير منهج المسلم في هذه الأيام استشعاره عظمة الحج، سواء كان حاجًّا أو غير حاج، فلو وقف مع نفسه متأملًا هذا الحج العظيم لقال: سبحانك ربي ما أعظمك، سبحانك ربي ما أجَلَّ تشريعك، سبحانك ربي لا معبود بحق سواك، سبحانك خلقت وشرعت فأحكمت، وتفضلت على عبادك بالمغفرة والعتق من النيران.

ويندرج في هذا الشعور تصور هؤلاء الحجاج وهم يدلفون إلى بيت الله الحرام طائفين راكعين ساجدين ساعين محلقين أو مقصرين، يقفون بعرفة ويبيتون بمزدلفة ثم يرمون الجمار وينحرون الهَدْيَ في حركة جماعية واحدة يرجون ربًّا واحدًا سبحانه وتعالى في مطلب واحد: المغفرة والعتق من النيران ودخول الجنان. كل هذه الحركة الجماعية في أمن وأمان وخدمات مثالية، في تنافس شريف للأعمال الصالحة أمام لوحات عظيمة مستقرة في نفوسهم من أعظمها: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ[البقرة: 197].

وكذلك: «من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه». وهنا يخشع القلب، وتدمع العين، وتُستثار المشاعر ليلجأ الحاج وغير الحاج إلى ربه جل وعلا مستغفرًا تائبًا لعله يندرج معهم عشية عرفة عندما يقول الرب جل وعلا: انصرفوا مغفورًا لكم.

الوقفة الثالثة:

من معالم تغير منهج نهج المسلم وهو يدلف إلى هذه العشر المباركة التي علمنا فضلها وعِظَمَها أن يبرمج المسلم أعماله، ويقسمها على الوقت لينال أعظم نصيب من الأعمال، ومن ثَمَّ أعظم الأجور، والقاعدة في ذلك قوله ﷺ في الحديث الصحيح: «ما من أيام العمل الصالح فيها أعظم من هذه الأيام يعني عشر ذي الحجة-» قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء». ومن الأعمال الواردة: ذكر الله تعالى، ومن أهمها: التكبير والتهليل والتحميد كما ورد عن النبي ﷺ: «فأكثروا فيهن من التبكير والتحميد والتهليل». ومن أعظم الذكر، بل هو أعظمه: قراءة كتاب الله تعالى والدعاء في الصلوات والخطوات، وغيرها، ومن الأعمال الصالحة: صيامها، وبخاصة يوم عرفة، فقد ورد أنه يكفر سنتين: الماضية والباقية، وهذا الصيام لغير الحاج؛ لأنَّ النبي ﷺ كان في حجة الوداع لم يصم ذلك اليوم. ومنها: بر الوالدين، وصلة الأرحام، والإنفاق، والإحسان، والصدقة على الفقراء والمساكين، والتقرب إلى الأهل، والمعاملة بالحسنى، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضالِّ وغيرها. ومنها: ذبح الأضحية التي هي سنة نبينا محمد ﷺ. فينظم المسلم أعماله وفق ما يناسبه، ويوزعها على أوقات، وسيجد أن الوقت كافٍ وواسع، وفضل الله واسع.

الوقفة الأخيرة:

من الخير العظيم للمسلم ليشغل هذه العشر أن يجدد إخلاصه في عمله لله سبحانه وتعالى، راجيًا قبول عمله، مكثرًا التوبة والاستغفار، مُحبِّبًا هذه الأعمال لنفسه وأهل بيته ومجتمعه، حقق الله الآمال، ووفق الجميع لما يحب ويرضى، وإلى اللقاء. وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.