
الحمد لله الذي شرع لنا هذا الدين، وأكمله وأتمه، القائل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]، وأصلِّي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فها هو الحج يعود علينا هذا العام بنفحاته وخيراته وفضائله وآثاره، وظلاله الوارفة، وجميع قلوب المسلمين تهفو للبيت العتيق لأداء الشعيرة العظيمة: الحج أو العمرة أو لزيارة المسجد الحرام والصلاة فيه، وطلب الأجر والمثوبة. أقول: ها هو موسم الحج يعود هذا العام، لنقف معه الوقفات التالية:
الوقفة الأولى:
الحج عبادة عظيمة، وشعيرة كبيرة، فرضها الله سبحانه وتعالى على المستطيع من عباده في كتابه الكريم، ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]، وجعله النبي ﷺ ركنًا من أركان الإسلام كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما المشهور: «بني الإسلام على خمس»، وذكر منها ﴿حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾.
هذه الشعيرة هي عبادة لله سبحانه، وهذا يعني أنه يتوجب على المسلم الحاج استشعار هذه العبودية لله سبحانه، فليس الحج مجرد حركات لا فقه لها، بل هي لعبادة الله، استسلامًا وانقيادًا، كما قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قبَّل الحجر الأسود: «والله إني لأعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولكن رأيت رسول الله يقبلك فقبلتك»، وهذا تحقيق لمعنى الاستسلام لله سبحانه، فيما شرع سبحانه من عبادات.
كما أن هذه الأعمال في الحج تحقق ذكر الله سبحانه وتعالى فقد جاء عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله»، وهذا يؤكد أن الله سبحانه شرع ذكره في كل منسك وبعد كل منسك كما في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 198]، وكان هذا هو عمل النبي ﷺ في المشاعر كلها، وقال ﷺ: «خذوا عني مناسككم».
إنَّ من أجل المهمات في الحج بل وفي كل عبادة أن يستشعر المسلم ذلك، فهذا الشعور يولد الحافز نحو التمسك بالسُّنة، وقوة التأثر بهذه العبادة، واستغلال الوقت بالطاعات الكبرى، ومن ثَمَّ طلب القبول والرضوان من الله سبحانه وتعالى.
الوقفة الثانية:
إنَّ من أعظم آثار الحج العظيمة ما يلي:
- الفوز بالجنة، قال النبي ﷺ: «والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».
- غفران الذنوب: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه».
- قبول الدعاء، فالمسلم يعيش في زمان فاضل، ومكان فاضل، وفي حال فاضل، فجدير أن يستجاب دعاؤه.
- رفعة الدرجات وتكثير الحسنات، فالمسلم يعيش في الحرم الذي تتضاعف فيه الحسنات أضعافًا مضاعفة، فالصلاة فيه تعدل مئة ألف صلاة فيما سواه كما ورد عن النبي ﷺ.
جدير بالمسلم أن يجعل هذه الآثار العظيمة بين عينيه ليجتهد في حجه وعمرته ومناسكه، فيرجو قبوله من الله ﷻ وينعم بهذه الآثار العظيمة في دنياه وآخرته.
الوقفة الثالثة:
إنَّ من أهم علامات القبول:
إخلاص هذه العبودية لله سبحانه وتجريدها له سبحانه دون ابتغاء أي غاية أخرى، هكذا أمر الله ﷻ: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: 2]، ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5] وحذَّر سبحانه وتعالى من إشراك غيره معه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [النساء: 48].
العمل وفق ما جاء عن رسول الله ﷺ في حجة الوداع: القائل «خذوا عني مناسككم».
وهذا يؤكد على المسلم الحرص على تعلم فقه المناسك، وما يجوز وما لا يجوز ليكون حجه صحيحًا، كما يؤكد البعد عن تتبع التشدد فيما يشد على النفس، أو تتبع الرخص فهذان طرفان قد يخرجان الحاج عن مسيرة الحج الصحيحة إلى الوقوع في محاذير تحول دون قبول حجه.
البُعد عن محظورات الحج وموانعه ومحرماته التي يجمعها قوله سبحانه وتعالى ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ [البقرة: 197].
وكذا المحظورات التي ذكرها النبي ﷺ في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ سئل: ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال ﷺ: «لا يلبس القميص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين؛ فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئًا من الثياب مسه الزعفران ولا الورس».
الوقفة الرابعة:
من بديهيات القول ونحن نستقبل هذه الشعيرة العظيمة التحذير من صرف الحج من كونه شعيرة عبادية يُرجى قبولها من الله ﷻ إلى أن يكون فرصة للعبث السياسي، والدعاية لدول معينة ترفع شعارات كاذبة، تصرف الحج عن عبودية الله تعالى إلى استغلال هذا التجمع الإسلامي نحو غايات دنيوية باطلة، تَبث فيها أحقادًا وضغائن.
وقد سبق معنا في الوقفات السابقة أن الحج عبادة أدَّاها النبي ﷺ برغب ورهب، وقال: «خذوا عني مناسككم».
إن ما يُسمع في بعض وسائل الإعلام من التهريج والعبث يؤكد على المسلم الحذر من الوقوع في هذه المزالق حتى لا يعرِّض نفسه لعدم القبول، بل يعرض نفسه للعقوبة في الدنيا والآخرة، ونذكِّر هنا بقوله تعالى: ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: 25] والإلحاد هنا هو الميل عن طاعة الله سبحانه والوقوع في معاصيه، فكيف إذا كان هذا الإلحاد جماعيًّا والضرر جماعيًّا أيضًا فالعقوبة أشد.
الوقفة الخامسة:
لعلَّ من شكر الله تعالى على نعمه أن يشكر جميع العاملين في خدمة الحج والحجيج، ابتداء بولاة الأمر في هذا البلد الكريم، إلى كل من يقدم خدمة علمية أو توجيهًا ونحو ذلك فجزاهم الله سبحانه وتعالى خيرًا وأثابهم وأعانهم وسددهم، وتقبل من الحجاج حجهم وجعله حجًّا مبرورًا وجعل سعيهم سعيًا مشكورًا، وبلغهم أمانيهم في الدنيا والآخرة، وكفانا شر المفسدين والحاقدين، إنه على كل شيء قدير.
وصلى الله وسلم على نبينا ومحمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كيفية مناصرة الداعية للنبي عليه الصلاة و السلام
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد: فإنَّ مكانة النبي عليه الصلاة والسلام في...

كيف نخدم السُّنة النبوية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: منزلة السُّنة النبوية: تعدُّ السُّنة النبوية مصدرًا أساسيًّا...

سب الصحابة رضي الله عنهم «وقفة تأمل»
لست هنا بصدد الكلام عن فضل الصحابة رضي الله عنهم، أو بيان تعديلهم، أو إيراد الأدلة من القرآن الكريم، والسُّنة...

حديث ابن عمر رضي الله عنه في محظورات الإحرام
يقول البلاغيون: إنَّ لكل مقام مقالًا، ولكل حدث حديثًا، وهذا العدد من مجلة الإرشاد يصدر في أيام الحج، فالمقام الحج،...

حديث ومعنًى: كل عمل ابن آدم يضاعف
مجلة الإرشاد للحرس الوطني عدد رمضان 1423هـ. يصدر هذا العدد المبارك من مجلة الإرشاد في هذا الشهر المبارك، والمسلم يتطلع...