
الحب: كلمة جميلة محببة للنفوس، ترادفها كلمات أخرى في القاموس العربي، مثل الود، ولها علاقة وطيدة بكلمات أخرى كالشفقة والرحمة، والعطف، وينبني عليها سلوك عملي يظهر على المحب تجاه من يحبه، من الأعيان، أو ما يحبه من الأقوال والأفعال والأحوال، ويتمنى كل مخلوق حي أن يعيش في عالم هذه المصطلحات المريحة في يومه وليلته، وفي بيته وشارعه وعمله، وفي إقامته وسفره لتضفي عليه جوًّا من السكينة والطمأنينة، والهدوء والراحة، وتخفف عنه أعباء الحياة ومشكلاتها ومشاغلها، بل لتقلب هذه الأعباء إلى لذائذ يستمتع بها، وقد يتعجب من يقرأ هذا الكلام فهل ممكن أن يكون كذلك؟ وكيف لا يكون كذلك والتاريخ شاهد أيما شاهد لأولئك الجيل الذين غمر قلوبهم حب الله تعالى وحب رسوله ﷺ؟ كيف حولهم هذا الحب من أقل الناس شأنًا إلى أن يسودوا الدنيا، وينشروا الخير والرحمة والإحسان في أقاصيها، ونقلهم هذا الحب من ذيل القائمة، إلى أن يكونوا قادة الناس وقدوتهم؟
الحب: شجرة سامقة، تثمر ثمارًا يانعة، متعددة الأغصان، أصلها ثابت في القلب، وفروعها ممتدة ومتفرعة.
والحب: درجات ومنازل، والمحب يتنقل بينها فيعطي كلًّا نصيبه منه بلا زيادة ولا نقصان.
والحب: حقيقة لا يجوز تجاهلها، ولكن قد يصرف لغير أهله، أو في غير محله، ومن ثم فلا يؤدي غرضه، ولا يورث خيره، بل قد يكون وبالًا على صاحبه. وإذا كان ذلك كذلك فليس هنا مقام تفضيل درجات الحب، ولا مراتبه ولا تفصيلها، ولكننا نغوص في بحر حب من أعظم أنواعه وأجلها، وأرفعها قدرها، وأعمقها جذرًا، وأعلاها مقامًا.
هذا الحب، أزعم أن كل مسلم يدعيه، وآمل أن يكون مبرهنًا على زعمه وصدقه في أقواله وأعماله.
هذا الحب هو محبة الحبيب محمد ﷺ وما جاء به من عند الله سبحانه وتعالى.
هذه المحبة التي يجب أن تكون عميقة في نفوسنا، متجذرة في قلوبنا، تلهج فيها ألسنتنا، وتنطق بها أقوالنا، وتترجمها أعمالنا وسلوكنا، هذه المحبة عقيدة يجب أن نعتقدها، هذا ما ندين لله سبحانه وتعالى به، نرجو بها الثواب، والرفعة عند الله سبحانه وتعالى، والصحبة لنبيه ﷺ ومرافقته في الجنة، والشرب من حوضه.
هذه المحبة التي تمثل لنا زادًا إيمانيًّا يكون حاديًا لنا في السير في هذه الحياة فتتسهل بها الدروب ونتخطى بها العقبات.
هذه المحبة التي تتعدل بها الأخلاق وتستقيم بها المعاملة فيظهر الصدق والإخلاص وحسن الظن والقول الحسن واللين في المخاطبة والعفو والتسامح والصفح.
هذه المحبة ممتدة مع امتداد الزمن نحيا عليها ونموت عليها، نربي عليها أنفسنا، ونقوِّم فيها أعمالنا، كل يوم يزيد من حبنا للمصطفى ﷺ حتى نلقى الله تعالى على ذلك.
وهي من خير ما يخلف الأبناء والبنات فينعمون بهذا الحب العميق فيضفي على حياتهم السعادة دنيا وأخرى.
هذه المحبة لا يجوز أن تكون دعوى دون تطبيق عملي فإن كانت كذلك فلا يتجاوز حبلها أن ينقطع فالدعوى سريعة الانكشاف قصيرة الأمد.
ولا يجوز أن تكون مخصصة في مكان دون آخر فهذا مشهد يبطله المشهد الآخر.
ولا يتجاوز أيضًا أن تكون مخصصة في زمان دون آخر، فهذا مشهد آخر مزعوم.
ولا يجوز أن تكون المحبة في حالة دون أخرى، فهذا مما يبطل دعوى هذا الزعم.
ومحبة النبي ﷺ اعتقاد بالقلب: يقول ﷺ في الحديث الصحيح: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين».
وقول باللسان وعمل بالجوارح يظهره في الواقع التطبيق والسلوك، قال تعالى: ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ [آل عمران: 31] فإذا كان اتباع النبي ﷺ دليلًا على محبة الله فهو دليل من باب أولى على محبة نبيه ﷺ .
محبة النبي ﷺ منهج حياة متكامل يعيش فيه الإنسان المسلم متمثلًا بحق: شهادة أن محمدًا رسول الله.
يتمثل هذا المنهج بوضوح في:
- الإيمان بأن محمدًا عبد الله ورسوله ﷺ.
- الإيمان بما جاء به محمد ﷺ.
- اعتقاد محبته ﷺ في القلب.
- تقديم هذه المحبة على محبة النفس والوالد والولد والزوجة والزوج والناس أجمعين.
- العمل بما جاء به محمد ﷺ دون زيادة فيها أو إحداث فيها ما ليس منها أو النقص منها.
- الاستسلام والتسليم لما جاء به من أخبار وعدم الاعتراض.
- كثرة الصلاة والسلام عليه ﷺ.
- نشر سيرته وسنته وأخذ العبرة والدروس منها.
- الدفاع عنه وعن سنته ﷺ.
- التخلق بأخلاقه والاقتداء به في جميع شؤون الحياة وفي المخبر والمظهر.
- محبة رضوان الله عليهم.
- ومحبة آله وأصحابه ومعرفة حقهم ومنزلتهم رضوان الله عليهم.
- محبة أحبابه المؤمنين الصادقين.
- محبة ما أحبه ﷺ ومعاداة من عاداه.
وأخيرًا صياغة الحياة كلها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية، إلخ، والفردية والأسرية والمجتمعية، وفق شرعه وسنته ﷺ.
هكذا المحبة الحقة، فهل نحن نحب محمدًا ﷺ، آمل أن يكون كذلك، رزقنا الله سبحانه وتعالى ذلك وجمعنا ﷺ به وأحبابنا مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، ونلتقي معًا على المحبة بإذن الله.

حديث ابن عمر رضي الله عنه في محظورات الإحرام
يقول البلاغيون: إنَّ لكل مقام مقالًا، ولكل حدث حديثًا، وهذا العدد من مجلة الإرشاد يصدر في أيام الحج، فالمقام الحج،...

حديث ومعنًى: كل عمل ابن آدم يضاعف
مجلة الإرشاد للحرس الوطني عدد رمضان 1423هـ. يصدر هذا العدد المبارك من مجلة الإرشاد في هذا الشهر المبارك، والمسلم يتطلع...

جهاد المرأة: حديث ومعنًى
حديثنا هذا العدد يدور حول جهاد المرأة، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلتُ: يا رسول الله!...

حديث ومعنًى: فضائل تنفيس الكروب وآثارها
الحمد لله المنعم، والصلاة والسلام على النبي المعلِّم، صلَّى الله عليه وآله وسلم، وبعد: فهذه وقفات مع حديث «من نفَّس...

حديث ومعنًى: «حقوق المسلم الستة»
روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول:...