home-icon
التعالي على الناس

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإن التعالي على الآخرين وظلمهم والكِبر والغطرسة بحيث لا يرى لأحد قدرًا؛ خصلة ممقوتة عند الله ﷻ وعند الناس، ولذا نهى الشرع عنها، وقال ﷺ: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كِبر» قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة؟ قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق (أي رده)، وغمط الناس (أي احتقارهم)». والكبر والظلم متلازمان؛ فالذي يتكبر ويتعالى على الناس يستحل دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وقد ورد في فرعون أنه ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 4]، كما أخبر الله سبحانه وتعالى أن اليهود يتجبرون ويتعالون على الناس مرتين فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا﴾ [الإسراء: 4].

فالتعالي على الناس ليس من خلق المسلم، بل من خصال الجبابرة والكفرة والمعاندين الجاحدين؛ فهي خصلة فرعون وأبي جهل وأبي لهب وخصلة اليهود المغضوب عليهم وعاد وثمود، فلا يليق بالمسلم أن يتجبر ويطغى ويتعالى على أخيه المسلم وإلا تكُنْ عاقبته عاقبة هؤلاء الظالمين المفسدين من فرعون وهامان واليهود ومن شاكلهم.

ولقبح هذه الخصلة قد حرمها الله سبحانه وتعالى على نفسه فقال في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا».

وأشكال التعالي على الناس ما ذكر في الحديث أن النبي ﷺ قال في خطبته في حجة الوداع: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا».

وحذر ﷺ من هذه الخصلة الذميمة بقوله: «الظلم ظلمات يوم القيامة». وذكر عاقبته الوخيمة قال: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَخۡذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلۡقُرَىٰ وَهِيَ ظَٰلِمَةٌۚ إِنَّ أَخۡذَهُۥٓ أَلِيمٞ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102].

وعن أبي هريرة قال رسول الله ﷺ: «من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها؛ فإنه ليس ثَمَّ دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه».

وكفى بهذه الخصلة قبحًا ووقاحة أن صاحبها يغضب في موضع الرضا، ويجهل في موضع الأناة، ويشتد في موضع اللين، ويتكبر في موضع التواضع، وطرق الوقاية من هذه الخصلة الذميمة كثيرة، منها: الخشية من الله ومن عذابه للظلمة الذين يحبون التعالي على الناس، والرغبة فيما أعد الله ﷻ من النعيم والدرجات للعادلين، والتذكر أن هذه خصلة الجبابرة من فرعون وأبي جهل واليهود، ومجالسة الضعفاء والمساكين، قال تعالى: ﴿وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28] وقال النبي ﷺ : «لا تنظروا إلى من هو فوقكم، وانظروا إلى من هو أسفل منكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله»، كما على المسلم أن يتجنب من الخصال التي تحمله على التعالي على الناس مثل: الغضب، والجهل، والحسد، والسفه، ومصاحبة الأشرار، وقلة الحياء، والطمع والجشع.

وأسأل الله ﷻ أن يهدينا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا هو.

وصلَّى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.