الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
يدور البحث حول عدة محاور، كما يلي:
إنَّ الشبكة العنكبوتية أو ما يسمَّى النت، أصبحت واقعًا إعلاميًّا ومعرفيًّا وأداة سريعة للتواصل بين البشر عبر الصوت والصورة والكتابة، حتى غدت من الضروريات التي لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة للأفراد من أهل العلم الشرعي والعلم التجريبي، وأهل السياسة والثقافة والاقتصاد والاجتماع، وكذلك بالنسبة للمؤسسات والشركات والمصانع ذات الأعمال والتخصصات المختلفة، هذا يعني أنَّ النت في هذا العصر من أكثر وسائل التواصل بين الناس وأكثرها سهولة لتداول العلوم والمعارف في فترات زمنية قصيرة، الأمر الذي يستوجب ضرورة التعامل معه والاستفادة منه للوصول إلى الأهداف المنشودة، وهو تحقيق لقول رسول الله ﷺ: «الحكمة ضالة المؤمن أينما ما وجدهما فهو أحق بها».
من أهمِّ ما تميَّزت به العلوم عبر العصور، سواء الشرعية أو التجريبية والتطبيقية، أنها انفصلت عن بعضها وأصبح كل علم ذا طابع تخصصي، وربما يتفرع من تخصص واحد –أحيانًا– عدة تخصصات مستقلة ودقيقة، وهي خطوة علمية تدل على مدى التقدم العلمي والمعرفي الذي وصل إليه الإنسان، لأنها تستجمع طاقات الإنسان ومهاراته وتُبلورها في المجال الذي يستطيع الإبداع فيه، ويكشف معالمه، كما أنها تحافظ على هذه الطاقات من التشتت والضياع في النواحي المتعددة التي لا يمكن احتواء جميع علومها.
إنَّ حالة التطور الكبير الذي شهده العالم في العقود الأخيرة فرضت على جميع العلوم أن تتفرع وتتخصص في أدق الجزئيات فيما يتعلق بالإنسان والكون والحياة، من النواحي المختلفة، حتى أصبحت سُنة بشرية معاصرة، والعلوم الشرعية جزء من هذه المنظومة العلمية والعالمية، رغم أنها سبقت العالم في مجال التخصص في العلوم، فقد وضع أهل العلم من هذه الأمة الأسس المبدئية لتصنيف العلوم واختصاصاتها، من بدايات القرن الثاني الهجري، حين بدأ عصر التدوين، فعلى سبيل المثال: تخصص بعضهم في كتابة الحديث النبوي، كالبخاري ومسلم والترمذي وأحمد رحمهم الله، وبعضهم في الأصول، كالشافعي رضي الله عنه ، وآخرون في السيرة، كابن إسحاق رضي الله عنه ، وهكذا، وتبع الخلف سنن السلف في هذا الأمر، حتى نبغ من الأمة آلاف من العلماء في التخصصات المتعددة، في العقيدة والتفسير والحديث وأصول الفقه والشريعة واللغة والاجتماع والفلسفة وغيرها. وأصبحت الأمة بذلك من أكثر أمم الأرض فكرًا وثقافةً، وأكثرها تصنيفًا وتأليفًا، في شتى العلوم والمعارف، وكان ذلك أثرًا من آثار التخصص العلمي، فكلَّما تخصص الإنسان في علم محدد كان أكثر قدرة على الاجتهاد والإبداع في ذلك العلم.
إنَّ جميع العلوم الشرعية تحتاج في هذا العصر إلى التنسيق والتعاون مع بعض العلوم التقنية الحديثة، كالإنترنت مثلًا، لأنه أصبح من أكثر أدوات الاتصال المعاصرة، ومن خلاله يستطيع أي داعية أو عالم شرعي أن يوصل هذه العلوم إلى العالم كافة، وهو جالس في مكتبه، إذا أحسن التعامل مع هذه التقنية الحديثة.
إنَّ إنشاء مواقع شرعية متخصصة على النت، لا يعني أبدًا إهمال العلوم الشرعية الأخرى، فعند إنشاء موقع عن السُّنة النبوية مثلًا، الطابع الأساسي له هو ما يتعلق بالسُّنة النبوية وعلومها، من علم الحديث وأنواعه والأسانيد وغيرها، وكذلك سيرة النبي ﷺ والشبهات المثارة حولها، والرد عليها، وهكذا. ولكن هذا لا يعني ألا يحتوي هذا الموقع على موضوعات فرعية أخرى، تمس الإسلام وواقع المسلمين، كالحديث مثلًا عن الإرهاب وأسبابه وآثاره وسبل علاجه، أو الحوار مع المخالفين، أو التطرق إلى موضوعات اجتماعية وثقافية مهمة، أو الحديث عن الأزمات التي تمر بها الأمة بين حين وآخر.
بل إنَّ إضافة مثل هذه العلوم والموضوعات التي لا تمس تخصص الموقع تزيده قوة وعرضًا، كما أنه يساعد على استقطاب الزوار والقراء إليه، لاسيما من خلال محركات البحث العالمية مثل «جوجل»، فإنه يستقطب الباحث إلى هذا الموقع المتخصص، حين يبحث عن موضوع فكري، أو اجتماعي، أو أخلاقي، أو اقتصادي وغير ذلك.
ينتقد بعض الناس المواقع المتخصصة، ويتهمونها بأنها إهدار للوقت والمال مقابل ضعف في التأثير والإنتاج، ويستدلون على ذلك بما يلي:
ويُرد على هذه الشبهات بعرض أنموذج واحد من هذه المواقع، وهو: شبكة السُّنة النبوية وعلومها، فهي:
وصلَّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.