في أمسية مباركة ساد جوها الأخوة والصداقة، والشفافية والوضوح، والطرح الهادئ، والشعور بعِظَم المسؤولية، والبساطة والنصح.
أمسية من أجمل الأمسيات امتدت لحوالي ثلاث ساعات في منزل معالي الشيخ/صالح بن عبد العزيز آل الشيخ – وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في استضافة كريمة لصاحب السمو الملكي الأمير/محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود، ضمت نخبة كريمة من أهل العلم والدعوة والفكر والثقافة والمسؤولية من أبناء هذا الوطن المعطاء.
غمرني خلال اللقاء حبٌّ وإعجابٌ، أردت في هذه الكلمات أن يشاركنا روح اللقاء، وشيئًا من أفكاره من لم يحضر ويشارك ويستمع، فكان لقاءً بحق يستحق الوقوف عليه والتأمل، والمرجو أن يتبعه خطوات في دراسة بعض الأفكار العملية، وتطويرها، وتنفيذ الصالح منها.
ونتابع اللقاء من خلال هذه الوقفات:
كم يحمد العبد الله سبحانه وتعالى، ويشكر على ما مَنَّ به علينا في هذه البلاد أن يدرك الجميع ممثلين في النخب العلمية والفكرية والدعوية الاتحاد في المسائل الكبرى وبخاصة في هذا الزمن المتلاطم الأمواج، والتي تتقاطع فيها المصالح المعادية لهذا البلد على عدائها الفكري والمنهجي.
أقول: من فضلِ الله سبحانه وتعالى أن نجد الحماسة القويَّة خرجت واضحة في هذا اللقاء بتعبيرات تفوح صدقًا وإخلاصًا، وضرورة التلاحم والتعاون في كل ما من شأنه صلاح البلاد والعباد والمحافظة، فليشعر المواطن الكريم بتحقيق التعاضد بين المسؤولين في الدولة وبين علمائها ودعاتها ومفكريها.
تجلى في هذا اللقاء بروز مفاهيم اعتراها غبش في مرحلة من المراحل، من أهمها ما يلي:
حِكمة الله سبحانه وتعالى وسنته في هذا الكون، الصراع بين الحق والباطل، والله سبحانه وتعالى كرَّم هذه البلاد بأن يكون قَدَرُها حمل رسالة الإسلام بوضوحها كما أُنزلت على سيدنا ونبينا محمد ﷺ، وأن تحتضن خدمة الحرمين الشريفين، وأن تنشر هذه الرسالة الهادية للعالمين، رحمة وشفقة ومحبة ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]. تفتخر –وحق لها أن تفتخر– بحمل هذه الأمانة، وتبذل في سبيلها كل جُهد ومال، وغالٍ ونفيس، وتشكر الله على ذلك، فها هي الجهود الواضحة في خدمة الحرمين الشريفين، وخدمة حجاج بيت الله الحرام لا ينكرها إلَّا حاقد أو مكابر.
ومن هنا وجب على الجميع ما أكدوه في اللقاء من المحافظة على هذه الثروة العظيمة، والقيام بهذه الأمانة، وعدم السماح لأي يد تحاول العبث والإخلال، أو فكرٍ ضال، والله سبحانه ناصر أوليائه، فليعلم العالم أجمع –ما أُكد في اللقاء المبارك– أنَّ العلماء والدعاة والمفكرين، بل وكل مواطن يعي مسؤوليته أن خدمة الحرمين الشريفين وخدمة الحجاج والمعتمرين، مسؤولية الجميع كلٌّ في موطنه، ومن خلال موقعه، مهما حاولت الأيدي الخاسرة والأفكار الشاطحة أن تُحدِث الشرخ في هذا الاتحاد.
قد يُبتَلَى الأفراد بالأمراض والأسقام والأوجاع، ولكنها تعالج بالأدوية الشرعية، وقد تُبْتَلَى المجتمعات بالأوبئة المعدية، وأيضًا تعالج بالمعالجات التي تكون سببًا لاستئصال تلك الأوبئة، ومن ثَمَّ عمل الوقايات اللازمة كما يُفعل بالتطعيمات.
وهذه البلاد ليست بدعًا من الكون، فابتليت في حاضرة بابتلاءات من داخلها ومن خارجها، ويحميها الله سبحانه وتعالى بفضل تكاتف أبنائها على قادتهم في صد تلك المعاداة الخارجية، والأوبئة الداخلية.
ومما ركز عليه الجميع في اللقاء أهمية معالجة الأفكار الضالة ومن أخطرها فكران متضادان، وهما ما يسمَّى الفكر التكفيري الذي يتمثل في بث عقيدة التكفير منهجًا فكريًّا، ومن ثَمَّ يصل -ووصل- إلى التخريب والتفجير للممتلكات والأرواح والمقدرات وضرره على العباد والبلاد لا يخفى.
والفكر الآخر متمثل في الانحلال وخلع هذه البلاد من ثوبها الناصع، وإلباسها أثوابًا مرقعة أخرى، ويظهر جليًّا في بعض المناداة بتغيير ثوابت الدين، والقدح في مصادره، والعبث بمسلماته، كالقدح في القرآن الكريم والسُّنة النبوية، وإيجاد قواعد جديدة، أو بتحكيم العقول البشرية فيهما، إلى آخر تلك الأفكار المنحلة.
ومما يسر في اللقاء حرص الجميع على ضرورة معالجة هذا وذاك، المعالجات الصادقة التي تضم معالجة المسؤولين بمسؤوليتهم، ومعالجة أهل العلم بعلمهم، ومعالجة أهل القلم بأقلامهم الصادقة. ومما رُكز عليه في هذا المقام نشر الفكر الإسلامي الصحيح المنطلق من مصدرية القرآن الكريم والسُّنة النبوية، بفهم العلماء الربانيين، وهو وَسَط بين هذا وذاك.
هناك أربع ومضات استقيتها من اللقاء، وأربع رسائل أبعث بها:
أما الرسائل فكما يلي:
سدد الله الخطى وحقق الآمال.