الأمن الفكري: يعني إيجاد حالة من الاطمئنان والراحة على عقائد الناس وأفكارهم وثقافتهم وسلامتها من الغلو والانحراف.
إنَّ الأمن بجميع أشكاله مطلب فطري، يسعى إليه جميع البشر للحفاظ على أنفسهم وأموالهم وأولادهم ومصالحهم، وقد دعا إليها الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام كما قال إبراهيم عَلَيْهِ السَّلَام لأبيه: ﴿يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا﴾ [مريم: 44].
فثمة أمن فكري، وأمن اقتصادي، وأمن اجتماعي، وأمن سياسي وغيرها، ولكل نوع من هذه الأنواع آثاره الإيجابية على مجالات معينة من مجالات الحياة.
ولكنّ أهمَّ هذه الأنواع هو الأمن الفكري الذي يعد الأساس لتحقيق سائر أنواع الأمن، لأنه يحمي العقل من الانحراف والغلو، وبالتالي يتحقق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، فأكثر المجتمعات استقرارًا تلك التي يقودها الاعتدال في التفكير دون إفراط أو تفريط، وأكثرها اضطرابًا وقلقًا تلك التي يتكاثر فيها الغلو والتشدد في التفكير والآراء.
المصلحة العامة: هي تحقيق المنافع العامة للناس الدينية والدنيوية ودرء المفاسد عنهم بجميع الأشكال والصور.
وهي العلة التي تدور حولها أحكام التشريع في الأمر والنهي، فكل أمر شرعي فيه تحقيق لمصلحة، وكل نهي فيه درء لمفسدة، سواء عرفت هذه المصلحة والمفسدة أو جهلت، فلا يقر الشرع حكمًا إلَّا وفيه مصلحة للناس، ولا ينهى عن شيء إلَّا وفيه درء لمفسدة أو دفع لضرر.
وبهذا المفهوم فإنَّ المصلحة العامة تتطابق مع المقاصد الكلية الخمسة للشريعة الإسلامية التي أجمع عليها أهل العلم، وهي:
أولًا: حفظ الدين: وهو الإسلام بأحكامه وتشريعاته في الكتاب والسُّنة والإجماع وسائر مصادر التشريع الأخرى، يقول تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19].
ثانيًا: حفظ النفس: التي كرَّمها الله تعالى فقال: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70].
ثالثًا: حفظ العقل: الذي تميَّز به الإنسان عن سائر الكائنات، وجعله الله تعالى مناط التكليف، وهو نعمة من الله تعالى، حثَّ على الحفاظ عليه واستعماله للوصول إلى الحقائق من خلال التأمل والتعلم وتنمية المواهب والمهارات وتوفير أجواء الإبداع والابتكار له، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29].
رابعًا: حفظ المال: ومعلوم أنَّ المال من ضروريات الحياة، ويشمل الممتلكات التي ينتفع منها الإنسان في رزقه وطعامه وسكنه وملبسه وسائر ضروريات الحياة، قال الله سبحانه وتعالى ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف: 46].
خامسًا: حفظ النسب أو النسل: بالحثِّ على الزواج الشرعي الذي يحفظ استمرارية الحياة وبقاء الأنساب وصفاءها، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
فالأمن الفكري سياج وحماية لحفظ الضرورات الخمس السابقة، التي تشمل بمجموعها نواحي الحياة المختلفة، وبناء عليه يمكن تلخيص منطلقات الرئاسة في تعزيز الأمن الفكري.
تعتمد الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على منطلقين أساسيين من أجل تعزيز الأمن الفكري، وهما:
من خلال التشريع الإلهي المستقى من الكِتاب والسُّنة النبوية، لقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104]، وقوله جل شأنه: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]. وقول النبي ﷺ: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإنْ لم يستطع فبلسانه، فإنْ لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان». فإذا تحققت هذه الشعيرة، التي تأمر بالمعروف من خلال مفهومه الشامل في كل شيء في العمل والسلوك، وفي الفكر والتصور، وتنهى عن المنكر من خلال مفهومه الشامل، فساد التصورات والأخلاقيات والسلوكيات، فإنَّها تحافظ على سلامة الفكر وأمنه من الأفكار المغالية والآراء الدخيلة المنحرفة، وبالتالي تكون حماية للمصالح العليا في البلاد.
من خلال النظام الأساسي للحكم الوارد في المادة 23، التي تنص على أن من مهام الدولة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي دلالة على مدى أهمية هذه الشعيرة وأثرها الإيجابي على كيان الحكم وقوته، وعلى تماسك المجتمع وتلاحمه.
وانطلاقًا من هذين المنطلقين الأساسيين أنيط بالرئاسة تحقيق مجموعة من الأهداف التي من شأنها إيجاد بيئة تعزيز الأمن الفكري وتعزيز هذه البيئة التي ينشأ فيها مبدأ حماية المصالح، ومن هذه الأهداف، وحماية المصالح العليا للبلاد، ومنها:
أولًا: إرشاد الناس وتوجيههم، وحثهم على فعل الخير بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن خلال تقديم القدوة الحسنة عبر رجالها الذين يختلطون مع الجمهور.
ثانيًا: تنبيههم على المنكر، ونهيهم عن الوقوع فيه، سواء كانت منكرات أخلاقية أو سلوكية، أو منكرات عقدية وفكرية، وذلك بالوسائل المشروعة المناسبة.
ثالثًا: العمل على ما يحول دون ارتكاب المحرمات والممنوعات شرعًا، كشرب المسكرات أو تعاطي المخدرات، أو الاختلاط بين الرجال والنساء من غير ضوابط، أو الحركات المخلة بالآداب والأخلاق العامة، وغيرها.
رابعًا: حمل الناس على أداء الواجبات الشرعية، وفق الهدي النبوي في الدعوة إلى الله ﷻ، بالرِّفق واللِّين والابتعاد عن الفظاظة والقساوة في ذلك، مثل حثهم على حضور صلاة الجماعة في المساجد، والالتزام بأخلاقيات الإسلام في المعاملات التجارية والمالية مثل: الصدق، والأمانة، والاستقامة، وغيرها.
خامسًا: غرس حب الانتماء والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، للحفاظ على سلامة الفكر، ووحدة التوجُّه والتصور نحو تحقيق الأهداف السامية.
سادسًا: غرس حب العلم والعلماء في نفوس الأجيال، لحمايتهم من الضياع والاغترار بالأفكار المغالية والمنحرفة، لأنَّ العلماء هم السياج الآمن الذي يحافظ على الفكر المعتدل بين الإفراط والتفريط، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]. وقال ﷺ: «إنَّ العلماء ورثة الأنبياء وإنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنَّما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر».
سابعًا: اعتبار مرجعية ولاة الأمور في الأمور السياسية، حفاظًا على سلامة البلاد واستقرارها، وتفاديًا للفتن والضعف والتمزق فيها، لقول النبي ﷺ: «على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلَّا أن يؤمر بمعصية فإنْ أُمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة».
وتحقيق هذه الأهداف كفيل بتحقيق الأمن الفكري في المجتمع والحفاظ على المصالح العليا للأمة.
ومن أجل تحقيق تلك الأهداف والثمرات اليافعة والحفاظ على سلامة البلاد والعباد من الأفكار المغالية والمنحرفة، كان لا بد من توافر آليات تنفيذية تتبعها الرئاسة، في الأبعاد المختلفة، ومنها:
وذلك من خلال النقاط الآتية:
من خلال النقاط الآتية:
من خلال النقاط الآتية:
وبهذا يمكن أن تنزل كل إدارة برامجها لتعزيز الأمن الفكري من خلال ما سبق من الآليات.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.