الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
ارتبطت عبادة الحج بالزمان والمكان ارتباطًا قويًّا، فتدخل في أوقات هي من أحب الأوقات إلى الله سبحانه وتعالى، وتكون في أحب الأماكن إليه جل وعلا، وحين يلبس الحاج الإحرام وينوي أداء هذا النسك، يدخل في حالة تعبدية بالأفعال والأقوال ضمن الإطار الزمني والإطار المكاني، وفيما يلي بيان بعض المعالم التعبدية لهذا الركن العظيم، وفضائله والآثار الإيجابية المترتبة عليه.
الحج ركن من أركان الإسلام وفريضة واجبة على كل مسلم قادر على أدائه، وهو في العمر مرة واحدة، نصت على ذلك نصوص القرآن الكريم والسُّنة النبوية، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]. وقال النبي ﷺ لجبريل عليه السلام: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا» (صحيح مسلم).
للحج فضائل وآثار كبيرة ومتعددة على الحاج يجدها في الدنيا والآخرة، منها:
هناك خطوات عملية وقولية على الحاج اتباعها لتحقيق أكبر قدر ممكن من الحِكم والفضائل المترتبة على أداء فريضة الحج، منها:
أولًا: استشعار عظمة الله في أداء هذا الركن العظيم، لقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]، خصوصًا أنه وجب على المسلم منذ عهد إبراهيم عليه السلام الذي أقام البيت مع ابنه إسماعيل عليه السلام، ثم خاطبهم الله سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج: 27] فضلًا على أن سورة كاملة في القرآن سميت سورة الحج.
ثانيًا: استشعار فضائل الحج السابقة، والأجر المترتب عليها، وهو ما يكون دافعًا للمسلم ليحقق الغايات والأهداف الموجودة في هذه الفريضة العظيمة.
ثالثًا: الاستعداد النفسي لأداء مناسك الحج، وذلك بتدريب النفس على الإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى، فأداء الحج يتطلب نفقات مالية ومادِّية كثيرة، وكذلك تدريبها على تحمل مشاق السفر والغربة عن الأهل، وتعب أداء المناسك والتنقل بين المشاعر المقدسة، وغير ذلك مما ينبغي تصور حدوثه في الحج.
رابعًا: النية الخالصة في الحج، وهي الأساس الذي ينطلق منه المسلم في أي عمل، حيث لا تحقق أي فضائل عبادة والأجر المترتب عليها إلا بإخلاص النية فيها لله تعالى، بالاستجابة لأمره جل وعلا، لقول الله ﷻ: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [البينة: 5]، وقول النبي ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات وإنَّما لكل امرئ ما نوى» (صحيح البخاري).
خامسًا: التحمل والصبر في الحج، على مشاق الطريق، وتعب الأسفار، حين يخرج الحاج من بيته إلى أن يصل إلى المشاعر المقدسة ويتنقل بينها، ويتحمل أذى الناس من جهل وقلة علم بالدين أحيانًا، ومن الازدحام وكثرة الحجاج أحيانًا، وينبغي الابتعاد عن إيذاء الناس، في التدافع والطواف والسعي، قال ﷺ: «أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع» (صحيح البخاري).
سادسًا: الفرح بأداء عبادة الحج، بعد أن تعب الحاج من مشقة الطريق وتعب الأسفار والغربة عن الأهل والديار، يسَّر الله ﷻ له الحج وأعاده إلى أهله سالمًا مغسولًا من الذنوب والخطايا، الأمر الذي يقتضي شكر الله تعالى بالقول والعمل والطاعات، وتجنب المعاصي والمنكرات، حتى يفتح الله ﷻ له أبوابًا أخرى للخير والسعادة، لقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].
سابعًا: الطمع فيما عند الله ﷻ، من التوفيق والتسديد والسعادة في الدنيا، والأجر العظيم والمثوبة الكبيرة في الآخرة، قال النبي ﷺ: «الحجاج والعمَّار وفد الله إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم»، وقال أيضًا: «من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه».
ثامنًا: الاقتداء بالنبي ﷺ، في جميع شؤون الحياة،: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21]، وخصوصًا في نسك الحج، لقوله ﷺ: «خذوا عني مناسككم» (الترمذي).
تاسعًا: كثرة الذكر والاستغفار في الحج، لقول الله ﷻ: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ [البقرة: 198]، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ۗ فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: 200].
عاشرًا: الدعاء المستمر في أول الحج بالتوفيق والتسديد، وفي آخره بالقبول والرضوان، كما فعل إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، قال الله ﷻ: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۞ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 127- 128].
حادي عشر: الانطلاق إلى حياة أفضل، بحيث يكون أداء نسك الحج نقطة تحوُّل لحياة جديدة مليئة بالطاعات والأعمال الصالحة، وبعيدة عن المعاصي والمنكرات، وترك المعاصي الماضية والندم عليها، والعمل لمستقبل مشرق من كل الجوانب بحسن الظن بالله، والثقة بالنفس، خصوصًا أن الله قد غفر للحاج ذنوبه ورجع كيوم ولدته أمه، قال سبحانه وتعالى: ﴿فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المائدة: 39].
أسأل الله العظيم أن ييسر على الحجاج ويتقبل منهم مناسكهم، ويعيدهم إلى أهلهم سالمين غانمين بالأجر والثواب العظيمين، ومطهرين من الذنوب والخطايا كما ولدتهم أمهاتهم.
وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.