عقبات العمل الدعوي للمرأة

إنَّ الدعوة إلى الله تعالى هي رسالة كل مسلم في هذه الحياة، وبخاصة طالب العلم الشرعي، وهو موكول بتبليغ هذه الرسالة للناس كافة، دون اعتبار لجنس أو عرق أو إقليم أو لون أو منصب أو جاه، وهذه ميزة عالمية تميزت بها رسالة الإسلام عن سائر الرسائل السماوية، والنظم الوضعية والبشرية، التي لا تخرج من بوتقة اللغة أو الجنس أو الإقليم، يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107] فهو خليفة الله تعالى في أرضه لقوله -جل وعلا-: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ﴾ [البقرة: 30].

وهذا التوكيل في الدعوة بالخلافة في الأرض ليس مقتصرًا على الرجل فحسب، وإنما هو قاسم مشترك بينه وبين المرأة التي تشاطره في جميع مجالات الحياة، فلا وجود للرجل من غير المرأة ولا وجود لها من غير الرجل، فالاثنان يكمل أحدهما الآخر، وهذه سُنة الله تعالى في البشر يوم خلقهم الخلقة الأولى، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ﴾ [النساء: 1].

وبقيت مسألة المرأة الدعوية منذ قرون بين مد وجذر، ما بين التأييد أو الإقصاء، ولم يظهر الاعتدال إلا في فترات قصيرة في مسيرتها الدعوية، وكان السبب في ذلك هو الاختلاف في مفهوم التكليف المنوط بالمرأة، فبعضهم كان يرى أن عليها تكاليف شرعية لا تخرج إلى غيرها، وهي أداء ما فرض الله سبحانه وتعالى عليها من أركان الإسلام الخمسة، وبعضهم توسع في هذا التكليف ليشمل مجالات الحياة كافة، إضافة إلى ما افترض عليها من الفرائض والواجبات المفروضة.

ولكننا في عصر يعج بالفساد من كل الأطراف، وبغزو فكري جامح يحرق الأخضر واليابس، وبحرب شعواء بأعتى العتاد وأشرس النفوس، وبحرب إعلامية رهيبة عبر الفضائيات وشبكات الإنترنت والصحف والمجلات وغيرها، لا سيما من بوابة المرأة؛ لأنها أسهل عبورًا ومسيرًا إلى الخراب والدمار لأبناء الأمة المسلمة، فوضعوها في كل شيء هابط، وجعلوها بضاعة رخيصة على صفحات الشبكات الإلكترونية وعلى شاشات الفضائيات، من أجل إفلاس الأمة روحيًّا، وإضعافها ماديًّا وتقنيًّا ومعرفيًّا.

وبالإضافة إلى التكليف الشرعي لقيام المرأة بواجبها الدعوي فإنَّ هذه الأوضاع تفرض علينا أن نقرر ضرورة العمل الدعوي للمرأة وتشجعيه ودعمه بكل الطاقات وشتى السبل، للوقوف في وجه هذا التيار المدمر الذي اجتاح العالم الإسلامي عبر بوابة المرأة، ويجب ألا يقتصر عمل المرأة الدعوي على بيتها فحسب، بل يجب أن يتجاوزه ليشمل الحي والمدرسة والمستشفى والمؤسسة والشارع والسوق والحديقة وغيرها، ويجب أن تؤدي المرأة رسالتها الدعوية بأكمل وجه وبكل ما أوتيت من قوة وطاقة، ولا يقتصر هذا العمل أيضًا على بيان الخطوط العريضة للدين، وإنما يتجاوزه إلى جميع جزئياته وتفاصيله، لبيان الحق وإحقاقه وبيان الباطل وإبطاله؛ لقوله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6].

ولقوله ﷺ : «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».

ولا شكَّ أنَّ المرأة في مسيرتها الدعوية تتعرض لعقبات حقيقية ووهمية، تحول دون القيام بالعمل الدعوي في مجتمعاتنا وواقعنا، مع الإشادة والإعجاب ما تقوم به جملة الداعيات وفَّقهن الله في السنوات الأخيرة، وهذا مما يزيد الطلب لمعرفة العقبات. ونشير هنا إلى بعض هذه العقبات لوضع علاج لها وإزالتها من طريق المرأة وتخفيفها، ونختم بعض التوصيات التي أرى ذكرها مساعدة لتجاوز هذه العقبات،

وأشير إلى ما يلي:

  1. أنَّ الدعوة، ولله الحمد، في هذه البلاد خطت خطوات حميدة في السنوات الأخيرة، وليس ذكر هذه العوائق تحجيمًا أو غضًّا منه، فبارك الله سبحانه وتعالى فيها.
  2. أنَّ هذه الدعوة مبنية على الابتلاءات ووجود العوائق والعقبات، وهذه سنة الله تعالى فيها، وما من رسول أرسل إلَّا ويجد من هذه الابتلاءات ما يجد، ونبي هذه الأمة محمد بن عبد الله ﷺ ابتُلي، ووضعت في طريقه العقبات تلو العقبات، فلم تثنه عن الدعوة، بل تجاوزها حتى أتم الله تعالى هذا الدين.
  3. أنَّ المقصود من ذكر هذه العوائق والعقبات معرفتها، ومن ثم محاولة معالجتها بالتخفيف أو الإزالة، وبخاصة ما يكون منها من عمل الداعية نفسه.
  4. أنَّ هذه العقبات والعوائق مختلفة، منها ما هو في التصورات والرؤى، ومنها ما هو في الوسائل، ومنها ما هو متعلق ببعض دون آخر، ومنها ما هو متعلق بمكان دون آخر، ومنها ما هو متعلق بزمان دون آخر، فلا يلزم من ذكرها وجودها جميعًا عند كل الداعيات وفي جميع الأزمنة والأمكنة.

 

أما العقبات فهي:

هذه بعض العوائق والعقبات في العمل الدعوي للمرأة، ولعلِّي أختم ببعض المقترحات ملخصة مع علمي الجازم بأن تفصيلاتها سترد في المحور القادم «رؤية مستقبلية للعمل الدعوي».

وهذه المقترحات منها ما هو متعلق بالمؤسسات، ومنها ما هو متعلق بالعلماء والدعاة والداعيات:

أولاً: ما يتعلق بالمؤسسات:

  1. أرى أن تفتح وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد قسمًا لدعوة المرأة، ويكون له فروع في المناطق والمحافظات ومكاتب توعية الجاليات.
  2. أرى أن تفتح الوزارات التي فيها عناصر نسائية كالصحة والعمل مكاتب توعية نسائية على غرار مكاتب توعية الرجال.
  3. ومثل ذلك يقال للمؤسسات الخيرية، وتركز عملها على رفع مستوى الداعيات بعقد دورات منهجية ترفع فيها من علم الداعية وقدراتها على غرار هذه الحلقة العلمية.
  4. تقوم المؤسسات بعمل برامج مشتركة تستفيد بعضها من تجارب بعض، ويكون ذلك في ضوء لجان مشتركة.
  5. تُعنى مراكز التدريب والمهارات بعمل دورات تدريبية للداعيات لرفع مستوى مهاراتهن وقدراتهن.
  6. تقوم المؤسسات الخيرية وأهل الخير بإنشاء مكتبات نسائية عامة، فمن المعلوم أثر ذلك.
  7. إنشاء أقسام نسائية في هيئة الأمر بالمعروف لتقوم الداعية بدورها في الإنكار.
  8. إعطاء إدارات المناشط في الجامعات هذه المعاني الدعوية اهتمامًا خاصًّا، بالإضافة إلى ما تقوم به من جهود مشكورة.
  9. إيجاد وسائل معينة من قبل المؤسسات الخيرية ومكاتب توعية الجاليات كوسائل الاتصالات، وتهيئة أماكن الدورات العلمية وغيرها.

ثانيًا: ما يتعلق بالعلماء والعالمات، والدعاة والداعيات:

  1. إعطاء جانب العمل الدعوي الاهتمام الكافي ليأخذ خطه كما هو عند الرجال.
  2. الاعتناء بالتأليف للكتب والنشرات في مختلف الموضوعات الخاصة بالمرأة، وبعملها الدعوي على وجه الخصوص، وبمنهجية الدعوة.
  3. حصر القضايا المتعلقة بالمرأة وعملها الدعوي لتصدر الفتاوى المناسبة فيها وبخاصة ما استجدت من قضايا تحتاج إلى مراجعة وتأمل وإعادة نظر.
  4. تكريس الجهود لتوعية أولياء النساء، والمرأة ذاتها، لضرورة الوعي بأهمية العمل الدعوي، وبخاصة في هذه الأوقات التي اشتدت فيها الخطوب والصعاب، وتنوعت فيها الأزمَّات والمحن.
  5. عمل برامج مشتركة بين الداعيات أنفسهن للإفادة بعضهن من تجارب بعض.
  6. إعداد المرأة نفسها، ووضع برنامج علمي إيماني لها تنمي به قيمة نفسها، وتعالجها من آفات النفوس.