الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمن الأهمية الكبرى لمسيرة الإنسان في هذه الحياة أن يقف عند محطات وقوف لينظر في سلامة مسيره فيما مضى، وينظر إلى المواضع الإيجابية، فينميها، وإلى المواضع السلبية فيعالجها، وكذلك ليتبصر مسيرته المستقبلية.
وما يقال عن الإنسان في أهمية وقوفه في هذه المحطات يقال عن المؤسسات، والمشروعات أيًّا كانت.
ومن هنا يتحتم علينا الوقوف مع هذه المحطات، وأعني به أهمية المحاسبة للإنسان نفسه، ولعمله، وللمؤسسة نفسها، ولمن يكون مسؤولًا عن هذه المؤسسة لا نختلف على أهمية القيم، والمثالية، في المسيرة الحياتية، أو مسيرة البناء.
لكن الاعتماد على هذه القيم دون إضافة التقويم والمحاسبة في برنامج الإنسان، أو برامج المؤسسات لا يشك أحد يرنو إلى تحقيق أهدافه، أن هذا الاعتماد لا يكفي، بل هو نقص قد يؤدي إلى الوقوع في أخطاء فادحة، أو على الأقل إلى تأخر في تحقيق الأهداف المرجوة من كل مؤسسة، وعدم التصحيح للأخطاء، والاستمرار فيها، وضعف التجديد في المسيرة، وعدم معالجة المشكلات التي تنشأ أو تطرأ في تلك المسيرة.
كل هذا يدعونا إلى إبراز قيمة المحاسبة، والتقويم للإنسان مع نفسه، أو للمؤسسة مثلًا في إدارتها، أو من جهة خارجية عنها لتكون متجردة من العواطف التي تسيطر على عمل المؤسسة. في كتاب الله تعالى يقول ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحشر: 18] وفي حديث رسول الله ﷺ: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت»، وفي الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا».
هذه النصوص تأصيل للمبدأ نفسه، مبدأ التقويم والمحاسبة، لكي يقدم الإنسان منتجًا نهائيًّا مفيدًا للدنيا وللآخرة.
وننطلق من التأصيل إلى بعض التطبيقات الواقعية في أحوال كثير منا، وأحوالنا.
إنَّ من الخير العظيم: التأمل في هذا المبدأ الحياتي العظيم، الذي تم تأصيله في القرآن الكريم، والسُّنة المطهرة.
أقول: من الخير العظيم التأمل فيه على مستوى الفرد نفسه أو على مستوى الأُسرة، أو مستوى المؤسسات الحكومية أو الخيرية، أو الاجتماعية، أو مستوى المجتمع بأسره.
ولعلي من باب التبسيط والتسهيل أعرض لعدد من الأسئلة تعين في عملية التقويم:
هذه نماذج للأسئلة، ولا يلزم أن تطبق على كل شخص أو في كل مجال، ولا يلزم على هذا الترتيب، وإنما المقصود أن توجد المحاسبة والتقويم، إنَّها خطوة ليست مهمة فحسب، بل بمنتهى الضرورة، وما وجود مناطق الخلل في حياتنا ومجالات أعمالنا ووظائفنا إلا لضعف هذه القيمة العالية في مسيرتنا في هذه الحياة. ومن هنا أجدها فرصة عظيمة ونحن نوشك على ختام عام هجري، وبعد انصراف من شعيرة الحج العظيمة التي كانت مدرسة عظيمة روحية وبدنية ونفسية، وقد تجرد فيها الحاج من الشوائب القلبية والعملية.
أجدها فرصة لأن نتواصى –أفرادًا وأُسرًا ومؤسسات– على هذا المبدأ لتصحيح الأخطاء، ونعالج مواضع الخلل، ونرتقي بالمنتج، ونسعى للنماء، ونقلل المشكلات، ونستفيد من كل المقدرات، ونسعد في دنيانا وأخرانا. جدير بالعاقل أن يصارح نفسه أيًّا كان موقعه، فالله سبحانه وتعالى منحنا الإمكانات والقدرات، والتفريط فيها يوقع الندم إن عاجلًا أو آجلًا.
وفق الله الجميع وسدد الخطى.