home-icon
خطبة عيد الفطر المبارك

الخطبة الأولى

الله أكبر: (تسع مرات).
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد،
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا ، وسبحان الله بكرة وأصيلًا،
الله أكبر ما نطق بذكره وتعظيمه ناطق، الله أكبر ما صدق في قصده
وعمله صادق،
الله أكبر خلق الخلق وأحصاهم عددًا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا،
الله أكبر خلق الجن والإنس لعبادته، وعنت الوجوه لعظمته،
وخضعت الخلائق لقدرته،
الله أكبر ما أقيمت شعائر الدين، الله أكبر ما رفرفت بالنصر أعلام
المؤمنين،
الله أكبر كلما صام صائم وأفطر، وكما لاح صباح عيد وأسفر،
الله أكبر ما تلا قارئ كتاب ربه فتدبر، الله أكبر ما بذل محسن وما
قتَّر، الله أكبر كبيرًا ، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

الحمد لله الذي سهّل لعباده طريق العبادة ويسّر، ووفّاهم أجورهم من خزائن جوده التي لا تنفد ولا تحصر، ومنّ عليهم بأعياد تعود عليهم بالخيرات والبركات وتتكرر، وتابع لهم مواسم العبادة لتشيد الأوقات بالطاعة وتعمر، أحمده سبحانه وأشكره على فضله، وحق له أن يشكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، انفرد بالخلق والتدبير، وكل شيء عنده بأجل مقدر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله أفضل من تعبد لله وصلى وزكّى وحج واعتمر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين سبقوا بالخيرات، فنعم الصحب والمعشر،
والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما بدا الفجر وأسفر.

أما بعد: أيها المسلمون! كم هي نعمة عظيمة أن منّ الله تعالى على أمة الإسلام بهذا اليوم الأغر، يوم عيد الفطر المبارك الذي توّج الله تعالى به شهر الصيام، وافتتح به أشهر الحج إلى بيته الحرام، وأجزل فيه للصائمين والقائمين، والباذلين والعاملين جوائز البر والإكرام، عيد يملأ القلوب فرحًا وسرورًا، وتزدان به الأرض بهجة وحبورًا، يخرج فيه المسلمون إلى مصلاهم لربهم حامدين، ولنعمته شاكرين، وبإتمام الصيام والقيام مغتبطين، ولخيره وثوابه مؤملين، ولِمَا سألوا ربهم من الخيرات راجين.

عيدنا معشر المسلمين عيد الفطر المبارك الذي ليس سواه عيد إلا عيد الأضحى المبارك، وما سواهما فأعياد مبتدعة مهما كانت مسمياتها وأسماؤها والداعون لها والمحتفلون بها . ولما قدم النبي ﷺ المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية فقال: «إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما يوم الفطر ويوم النحر»

عيدنا- أهل الإسلام- عيد غبطة في الدين والطاعة، وبهجة في الدنيا والحياة، إنه فرحة بانتصار الإرادة الخيرة على الأهواء والشهوات، والخلاص من إغواء شياطين الإنس والجن، والرضى بطاعة المولى والوعد الكريم بالفردوس الأعلى، والنجاة من جهنم ولظى.

عيدنا عيد تزاور وصلة وقربى، وصفح وعفو ومسامحة، وودّ ومحبة ، وإخاء وألفة، ليس عيد بطر ولا أشر، ولا فسق أو فجور، ولا لهو محرم وعبث بالأموال واختلاط بين الرجال والنساء، وليس عيد مزامير أو طرب أو انشغال بالمحرمات، ونسيان لرمضان والصيام والقيام، فمن تعيد بهذه المحرمات، فقد قوض ما بناه في رمضان، وأفسد ما عمره في رمضان، وهدم ما شيده في رمضان وأضاع دينه.

الله أكبر الله أكبر ولا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون! من الناس من تطغى عليه فرحة العيد فتستبد بمشاعره ووجدانه وقلبه متناسيًا واجب الشكر والاعتراف بالنعم، وتدفعه إلى الزهو بالجديد والإعجاب بالنفس حتى يبلغ درجة المخيلة والكبر والتعالي، وما علم هذا أن العيد قد يأتي على أناس قد ذلوا من بعد عز، فتهيج في نفوسهم الأشجان، وتتحرك في صدورهم كثير من الأحزان، ذاقوا من البأس ألوانًا بعد رغد العيش، وتجرعوا من العلقم كيزانًا بعد وفرة النعيم، فحل محل البهجة الأنين والعناء، واعتاضوا عن الفرحة بالبكاء.

كم يتيمٍ ينشد عطف الأبوة الحانية؟ وأرملة تتذكر بهذا العيد عزًّا مع زوج عطوف قد مضى؟ وفقير ومسكين ولاجئ وطريد ومجاهد منشغل بجهاده يأتيه العيد بين أصوات المدافع ودويّ القنابل؟ فحق على كل ذي نعمة ممن صام وقام أن يتذكر هؤلاء، فيرعى اليتامى، ويواسي الأيامى، ويرحم أعزاء قوم قد ذلوا.

كم هو جميل أن يصاحب فرحة العيد وبهجته وجديده تفريج كربة وملاطفة يتيم ومواساة ثكلى؟ فإن لم تستطع بمالك وجهدك فأسعفهم بكلمة طيبة، وابتسامة حانية، ولفتة طاهرة من قلب مؤمن، ودعوة حارة من لسان صادق، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [الجاثية: 15]،  ﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾  [البقرة: 272].

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أمة العقيدة والدين، يمر العيد هذا العام والأمة المسلمة في أنحاء العالم تمر بأزمات ومحن، ومصائب وفتن، تكالبت عليها أمم الكفر والضلال، وجلبت خيلها ورجلها على هذا الدين وأهله، ما أحوج الأمة وهي تعيش فرحة العيد، وشكر الله تعالى على ما أنعم به عليها أن تتذكر حاجاتها العظيمة، وأهدافها السامية؛ لتتوحد تحت راية هذا الدين، وتدع التفرقة والتشتت، وتبتعد عن الخلافات الجانبية، وتجتمع على مبادئه العظيمة.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها الآباء والأمهات، أيها الأولياء! أقر الله تعالى عيونكم وأفئدتكم بفلذات أكبادكم، وبلغكم آمالكم فيهم، ألبستموهم الجديد في هذا العيد، بذلتم لهم من أموالكم ما يفرحهم ويسرهم، آثرتموهم على أنفسكم، اشتريتم لهم حلاوة العيد، أجزل الله لكم المثوبة، ضاعف لكم الأجور العظيمة.

كم هو جميل أيها الأب وأيتها الأم: أن يقارن ذلك شعور بتجديد مسؤوليتكم تجاههم، ورعايتكم الشرعية لهم، وإحساسكم بعظم أمانتكم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6] وكم هو جميل أن يقارن ذلك شعوركم بأن كل أبناء المسلمين وبناتهم هم أبناؤكم وبناتكم؛ لتتواصل الأخوة الإيمانية الكريمة، فيعظم هذا الشعور فتمتد الأيدي المعطاءة في بذل الخير للمسلمين وأبنائهم في كل مكان، وبخاصة في أراضي الجهاد والكفاح والفقر والعناء، وتمتد الألسنة بالدعاء الصادق بأن يفرج الله تعالى عن الأمة ضيقها، وينفس عنها كرباتها، وينصرها على أعدائها، لتتعبد الأمة جمعاء فرحة مسرورة.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أمة القرآن والدين، صمتم شهركم وقمتم ليله، وأنفقتم أموالكم للمحتاجين، وبذلتموها في سبل الخير والدعوة، وقرأتم كتاب ربكم ودعوتم لإخوانكم المسلمين والمجاهدين والمستضعفين، وختمتم بالاستغفار والتوبة، وبصدقة الفطر الواجبة، تقبل الله مني ومنكم، وبلَّغني وإياكم أجر ذلك ومثوبته، وأقرَّ أعيننا بثمرته في الدنيا والآخرة، وقد ودعتم شهركم، وابتهجتم هذا الصباح بعيدكم، فابقوا على العهد، وأتبعوا الحسنة الحسنة، فاجعلوا لكم وردًا من الصيام والقيام في سائر الأيام، وشيئًا من البذل والعطاء، واستمروا في التلاوة والذكر والدعاء، فهذا من علامات قبول الطاعات، ومن ذلك ما ندب إليه نبينا عليه الصلاة والسلام بإتباع رمضان صيام ست من شوال، فمن فعل ذلك فكأنما صام الدهر كله، كما ثبت ذلك عنه صلوات الله وسلامه عليه بقوله: «من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر»، تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام، وسائر الطاعات والقربات، وأقر أعيننا وقلوبنا بنصرة الإسلام والمسلمين، وأعاد علينا وعلى أمة الإسلام هذا الشهر بالقبول والغفران، والصحة والسلام،
والأمن والأمان، ودحر أعداء العقيدة والدين.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

الخطبة الثانية

الله أكبر (سبعًا) الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. الله أكبر أوجد الكائنات بقدرته فأتقن ما صنع، الله أكبر شرع الشرائع فأحكم ما شرع، الله أكبر لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، الله أكبر، كلما هلل المهللون، وحمده الحامدون، الله أكبر، كلما ذكره الذاكرون، وكبره المكبرون.

الحمد لله معيد الجمع والأعياد، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه وآلائه التي لا يعدها عاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا مضاد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المفضل على جميع العباد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الأتقياء الموحدين العُبّاد، والتابعين
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المعاد، أما بعد:

أمة الحق والشريعة، عمادُ هذا الدين، وأسّه وأصله، وأوجب واجباته توحيد الله سبحانه وتعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، واعتقاد ذلك والجزم به، واليقين الصادق، وإفراده تعالى بالعبودية الصادقة الخالصة: قال تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56] ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر: 2].

أيها المسلمون! عيدنا المبارك يذكرنا بأهمية هذا التوحيد وتجديده في القلوب، وإحيائه في النفوس لتحيا معه شعائر هذا الدين، وواجباتُه وأخلاقُه ومبادئُه وتعاليمه، فأقيموا الصلاة تحفظ لكم دينكم، وأكثروا من الصدقة والبر تطفأ خطاياكم وغضب ربكم، وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم تزكيكم وتطهر أموالكم، وصوموا شهركم تنالوا رضا مولاكم، وحجوا بيت ربكم تخرجوا من ذنوبكم كيوم ولدتكم أمهاتكم، بروا آباءكم وأمهاتكم يبركم أبناؤكم، وتنالوا رضا ربكم، قوموا بحقوق زوجاتكم وأهليكم تصفو حياتكم، وتدخلوا جنة ربكم، صِلُوا أرحامكم يبسط لكم في أرزاقكم، وينسأ في آثاركم، حَسِّنوا معاملاتكم وأخلاقَكم تطبْ نفوسكم، وتنعموا بقرب نبيكم، طهروا قلوبكم من الغش والحسد والحقد والبغض تعلو درجاتكم وتغفر ذنوبكم، واحفظوا جوارحكم تشهد لكم يوم لقاء ربكم، تجنبوا الحرام من الأقوال والأفعال تأمنوا من عواقبها، خلصوا أموالكم من الربا والغش والتدليس والأيمان الكاذبة تضاعف لكم وتسلموا من شرها.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيتها المرأة المسلمة! أيتها الأم الرؤوم، أيتها الزوجة الحنون، أيتها البنت العطوف، يا من كرمك الله بدينه، وأعزك بشريعته، وأنقذك من أعدائك بإيمانك والتزامك بتعاليمه، وألبسك لباس الحشمة والتقوى، وسترك بحجابك عن النار، أيتها المرأة المؤمنة، أيتها المسلمة الواعية، أنت المربية الفاضلة والمعلمة العاقلة، أنت مخرجة العلماء والأبطال، صانعة الدعاة والرجال، ومنشئة القادة والمجاهدين، إن لنفسك عليك حقًّا بتربيتها وتزكيتها والقيام بما أوجبه الله عليك.

زوجك هو جنتك ونارك، حقه عظيم، والواجب في شأنه كبير، شجعيه في دروب الخير والدعوة، وشدي من عضده في المعروف والطاعة، وتحمّلي واصبري تجدي ثمرة ذلك، أبناؤك وبناتك ثمرة فؤادك وامتدادك بعد مماتك وقرة عينك، فالله الله في رعايتهم وتنشئتهم على الحق والخير والهدى.

أيتها العفيفة الطاهرة، والجوهرة المصونة! حجابك الزمي، وفي بيتك قري، وأعداء دينك احذري، وتقاليد الغرب والشرق تجنبي، وبدعوة ربك اعملي، وبمسؤوليتك قومي، ومن مالك تصدقي، قال عليه الصلاة والسلام: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، وحفظت فرجها قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت».

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون!

هذا هو عيدكم، افرحوا به شكرًا لله ﻷ، وابتهجوا، وأفرحوا أولادكم وأسركم وذويكم وأقاربكم وجيرانكم ومن له حق عليكم، واتقوا الله تفلحوا وتفوزوا.

اللهم أعده علينا أعوامًا تلو أعوام، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين والكفرة والملحدين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الإسلام والمسلمين، اللهم كن للمستضعفين والمنكوبين من المسلمين، اللهم أطعم جائعهم، واكسُ عاريهم، وأرجع اللاجئين إلى بلادهم منصورين.

اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم نصرًا مؤزرًا.

اللهم تقبل منا الصيام والقيام وسائر القربات والطاعات، واغفر لنا ما وقع من الزلل والخطأ والتقصير، ولا تؤاخذنا بذنوبنا، اللهم أعد علينا رمضان ونحن في عز وعافية وأمن وأمان، وارزق الأمة الإسلامية عودة إلى دينها وتعاليم ربها ونصرها على أعدائها.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.