home-icon
البيت المسلم

الخطبة الأولى

الحمد لله معز من أطاعه، ومذل من عصاه، أسبغ علينا نعمه المتوالية وآلاءه المتتالية، أحمده سبحانه وأشكره، من توكل عليه كفاه وآواه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله غيره، ولا رب سواه، من اعتمد عليه أطعمه وسقاه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله أكرمه الله بالرسالة واصطفاه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن والاه، أما بعد :

عباد الله! اتقوا الله وعظموا ربكم، واحفظوا دينكم، وأدوا أماناتكم، وقوموا بمسؤولياتكم، اتقوا الله في أنفسكم وأهليكم وبيوتكم، واشكروا نعمة ربكم تفوزوا برضا مولاكم، وتدخلوا جنة ربكم.

أيها المسلمون! إن الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بنعم كثرة وآلاء جسيمة، لا يعدها عاد، ولا يحصيها أحد، وإن من أعظم نعم الله وآياته أن جعل للناس بيوتًا فيها يسكنون ويستريحون، ومن البرد يستدفئون، ومن الحر يستظلون، وعن الأنظار يستترون، وعن الأعداء يتحصنون، ولأموالهم يُحْرزون، ولأعراضهم يحفظون، ولها يأوون ويسكنون، ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ۙ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ ﴾ [النحل: 80].

في ظل البيت تلتقي النفوس على المودة والرحمة، والحصانة والطهر، وكريم العيش والستر، في كنفه تنشأ الطفولة، ويترعرع الأحداث، وتمتد وشائج القربى، وتقوى أواصر التكافل والتواصل، ترتبط النفوس بالنفوس، وتتعانق القلوب بالقلوب ﴿ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ [البقرة: 187] في هذه الروابط المتماسكة والبيوتات العامرة تنمو الخصال الكريمة، وينشأ الرجال الذين يؤتمنون على أعظم الأمانات، ويربى النساء اللاتي يقمن على أعرق الأصول.

في البيت- أيها المسلمون- تنمو الزهور المتفتحة في جو مليء بالمودة والرحمة، عامرة بالتفاهم والتعاون، تعيش في ظلال الأبوة، وحنان الأمومة، في البيت تنشأ ناشئة صالحة حقة، يكون من ثمراتها صلاح الأبناء، وبرُّ الأمهات والآباء، والبيت مدرسة ينمو فيها الأجيال، ويتخرج الأبطال، منهم العالم والمسؤول والموجه والمرشد، والمهندس والطبيب، وتتخرج منه الأمهات المربيات اللاتي ينشئن هؤلاء الأبطال.

أيها المسلمون! إن البيت نعمة كبرى، ومنحة عظمى، أليس هو مأوى الإنسان ومحل أكله ونومه ونكاحه وراحته؟ أليس هو مكان اجتماعه بأهله وأولاده؟ أليس هو محل خلوته بزوجته وأهله؟ أليس هو محل القرار؟ إن هذه النعمة العظيمة لا يدرك قيمتها، ولا يعرف فضلها إلا من يرى من يعيشون في الملاجئ أو الشوارع أو على أرصفة الطرقات، أو المقابر أو المخيمات المؤقتة، يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، عرضة للحر والقرّ، تلفحهم حرارة الشمس ولهيبها، ويخدشهم شدة البرودة وقساوتها، إن من يرى هؤلاء وأمثالهم يدرك نعمة الله في البيت والمنزل، فيلجأ إليه بالثناء والشكر والحمد قولًا وعملًا باطنًا وظاهرًا

أيها المسلمون! هذا البيت الذي يمثل المجتمع المصغر له في الإسلام منزلة عظمى وأهمية كبرى، اهتم الإسلام به وجعل له أحكامًا تخصه ينبغي للمسلم أن يطبقها ويتعامل في ضوئها، وحث الإسلام على القيام بشؤونه وإصلاحه، فبصلاحه يصلح المجتمع وبفساده يهوي للهلاك، ويتعرض للدمار، فجعله الإسلام مصدر الصلاح والإصلاح، كيف لا ؟! والله جل وعلا جعل الإنسان مسؤولًا عن نفسه وأهله بأن يقيهم من النار، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6] والرسول ﷺ بيّن عظم المسؤولية الملقاة على راعي البيت أمام الله يوم الجزاء والحساب.

روى النسائي، وابن حبان بسند صحيح أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته».

وروى الطبراني بسند حسن، عن ثوبان رضي اللَّهُ عَنْهُ أن رسول الله ﷺ قال: «طوبى لمن ملك لسانه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته». وقال ﷺ – فيما رواه الديلمي عن أبي موسى بسند حسن:- «سلامة الرجل في الفتنة أن يلزم بيته».

أيها المسلمون! لكل هذه الأمور وغيرها أراد الإسلام أن يكون بيت المسلم متميزًا عن غيره من البيوت شكلًا ومضمونًا، ظاهرًا وباطنًا.

وإن من أهم ما ينبغي أن يُلحظ في البيت المسلم: أن يكون مستورًا، مصونًا عن الأنظار، يأمن مَنْ بداخله من الاطلاع على عوراتهم وأسرارهم، لا يدخله غير أصحابه إلا باستئذان ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ۞ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 27، 28].

وكما يكون البيت مستورًا عن المارة ينبغي أن يكون ساترًا ومستورًا عن الجيران، وذلك برفع الحاجز بين الجارين، وكذا رفع النوافذ المطلة على الجيران بحيث لا تحصل الأذية من كل منهما للآخر، فلا يكشف، ولا يكشف، ومما ينبغي ملاحظته أيضًا أن يُفصل أمكنة النساء عن الرجال لئلا يطلع كل منهما على الآخر، وأن يلحظ عند التصميم أن لا تكون المراحيض باتجاه القبلة لقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: «إذا جلس أحدكم لحاجته، فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها».

ومن المهم أن يحسن الموقع الذي يريد أن يسكن فيه، فيكون قريبًا من المسجد، لئلا يتكاسل عن الصلاة فيه، وأن يكون في وسط جيران يحافظون على الصلاة، فالجار قبل الدار، وقد تعوذ الرسول ﷺ في دعائه من جار السوء فقال فيما رواه الحاكم وصحيحه: «اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادية يتحول».

أيها المسلمون: وكما يحسن شكل البيت ومظهره بأن يكون ذا طابع معين، فينبغي للمسلم أن يكون مضمونه مثلًا رائعًا في الصلاح والإصلاح، منطلقًا للخير والسعادة والفلاح، وإن من أعظم ما يؤثر في ذلك وجوب مراعاته والانتباه إليه أن يتحقق فيه بين الزوج وزوجته وبين الأب والأم معنى كونه مسكنًا، يتحقق فيه قول الله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، نعم ليسكن إليها ولم يقل: ليسكن معها، مما يؤكد معنى الاستقرار في السلوك والهدوء في الشعور، ويحقق الراحة والطمأنينة بأسمى معانيها، فكل من الزوجين يجد في سكنه الهدوء عند القلق والبشاشة عند الضيق، والسرور عند الحزن، والفرج عند الهم ، فإذا كان كذلك، صار البيت مدرسة للنشء يتربى فيها البنون والبنات على خصال الخير وكريم الفعال التي لا تكون إلا في ظلال أمومة حانية وأبوة كادحة، وأي مجتمع أزكى من هذا الجو الأسري الكريم، فالمنطلق في البيت المسلم تفاهم الزوجين، وقوة العلاقة بين الأب والأم القائمة على المودة والرحمة، ولذلك أمر الإسلام بحسن اختيار الزوج لزوجته، وجعل الميزان في ذلك الدين والخلق

أيها المسلمون! ومما يتميز به البيت المسلم أن يكون بين إيمان وقرآن، بيت ذكر ودعاء، بيت صلاة وصيام، روى مسلم عن أبي موسى رضي اللَّهُ عَنْهُ أن رسول الله ﷺ قال: «مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت»، وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله ﷺ قال: «إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله تعالى حين يدخل وحين يطعم قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء ها هنا، وإن دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله، قال : أدركتم المبيت، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه قال: أدركتم المبيت والعشاء».

فينبغي أن يكون البيت محلًا لتلاوة كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ ، روى مسلم عن أبي هريرة رضي اللَّهُ عَنْهُ أن رسول الله ﷺ قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة»، وكما هو محل للتلاوة، فهو محل للصلاة النافلة والدعاء، روى مسلم أن رسول الله ﷺ قال: «عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة».

أيها المسلمون! إذا توفرت هذه الأمور في البيوت: ذكر الله وقراءة كتابه والصلاة فيه أصبح مدرسة للخير يتربى فيها من يسكنها من الأولاد والنساء على الطاعة والفضيلة، وتدخلها الملائكة وتبتعد عنها الشياطين، وإذا خلت هذه البيوت من الطاعات، صارت قبورًا موحشة، سكانها موتى القلوب وإن كانوا أحياء الأجسام، يخالطهم الشيطان، وتبتعد عنهم ملائكة الرحمن، فما ظنك بمن يتربى في هذه البيوت الخاوية الخالية من ذكر الله؟ بل وما ظنك إذا شغلت بوسائل الشر وأسباب المعاصي من مسلسلات هابطة وتمثيليات مختلطة وأفلام خليعة ومجلات فاسدة، تدعو إلى الفحشاء والمنكر وتهدم الأخلاق والمروءة؟ إن مثل هذه البيوت تكون أوكارًا للشيطان، وسمومًا تفتك في جسد الأمة المسلمة يجب علاجها واستئصالها حتى لا تؤثر على من حولها، إن من كان بيته كذلك حري بأن يعرض نفسه للعقوبة والهلاك في الدنيا والآخرة.

فاتقوا الله، عباد الله، وأحيوا بيوتكم بالذكر والدعاء وقراءة القرآن وتعليمه وأخلوها من ألحان الشيطان، ومن الغيبة والنميمة والبهتان، نفعني الله وإياكم بهدي كتابه العظيم، وبهدي سنة سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي فتح لعباده طريق الفلاح، وأرشدهم إلى ما فيه الخير والصلاح، فمن سلك هذا الطريق فله الفوز والنجاح، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق الحب والنوى وفالق الإصباح، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، الذي بددت رسالته ظلمات الجهل والظلم كما بدد ظلام الليل نور الصباح، صلى الله وسلم وبارك عليه على آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان ما أشرق الفجر ولاح، أما بعد

أيها المسلمون! ومما ينبغي أن يتميز به البيت المسلم أن يكون مدرسة ويتربى فيها الناشئة وتتعلم الزوجة من زوجها والأبناء والبنات من آباءهم وأمهاتهم، والصغار من الكبار، يتعلمون القرآن والسنة، يتعلمون العلم والعمل، قال الضحاك ومقاتل حول قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].

حق على المسلم أن يعلّم أهله وقرابته ما فرض الله عليهم وما نهاهم عنه، وقال الطبري: فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير وما لا يستغنى عنه من الأدب.

ومما يساعد في التعليم توفير مكتبة مناسبة في البيت تحوي الكتب النافعة، التي تناسب الصغير والكبير، وعلى رأس تلك الكتب كتاب الله ﻷ، وبعض تفاسيره كتفسير ابن كثير ‏:‏، وكذلكم من سنة الرسول ﷺ كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي و(الترغيب والترهيب) للمنذري، وبعض كتب السيرة النبوية ككتاب (زاد المعاد) لابن القيم ‏:‏ وغيرها، ومن جهل شيئًا يسأل عنه، فالعلم بالتعلم، ومما يساعد في التعليم والتربية إيجاد الأشرطة المناسبة في البيت، التي تحوي قراءة كتاب الله ﻷ والمحاضرات والندوات النافعة. وعلى الفرد أن يحضر ما يناسب بيته وأهله في هذا المجال، ومن المفيد في مجال التعليم أن يخصص رب الأسرة وقتًا ولو يسيرًا لتذاكر ما قرئ وما سمع، ووضع الحوافز والجوائز التشجيعية لذلك.

أيها المسلمون! وكما يكون البيت المسلم مصدر تعليم، فهو مصدر تربية وتنشئة، تربية على الإيمان القوي والخلق الكريم والمعاملة الطيبة، وأهم ما يلمح إليه في ذلك أن يكون الوالدان قدوة حسنة لمن في البيت من النساء والذرية، وأن يعين أحدهما الآخر في ذلك، روى الإمام أحمد وأبو داود بسند جيد أن رسول الله ﷺ قال: «رحم الله رجلًا قام من الليل فصلى فأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء»، فعلى الوالدين أن يكونا قدوة في العبادة والأخلاق، وقدوة في الأقوال والأعمال، قدوة في المظهر والمخبر، قدوة في السلوك والتصرفات، فلا يسمع منك أبناؤك وبناتك إلا قولًا طيبًا، ولا يرون إلا عملًا صالحًا، ولا ينظرون إلا سلوكًا حسنًا، ومما يعين في ذلك ويساعد عليه التفاهم بين الزوجين التفاهم الحسن، والتعاون على أمور البيت وتربية الأبناء، وعدم مناقشة الخلافات العائلية أمام الأولاد؛ لأن ذلك يؤثر تأثيرًا سيئًا على شخصياتهم، فلا يثقون بوالديهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يحترمون تصرفاتهم، وإذا كان أحد الأبوين مبتلى بمعصية من المعاصي كشرب الدخان ونحو ذلك عليه أن لا يظهر ذلك أمام الذرية؛ لئلا يكون قدوة سيئة لهم، ويكون وبالًا عليهم في الدنيا والآخرة.

وعلى الوالدين أن يراقبا تصرفات أبنائهما وبناتهما المراقبة المتزنة، وأن يحرصا على تقويم ذلك التقويم الحسن، وأن يكون بينهم من الانفتاح والتفاهم ما لا يجعل الأبناء والبنات يتصرفون تصرفات غير سليمة بمعزل عن الآباء والأمهات، فكم وجدت من المشكلات في البيوت بسبب الغفلة والإهمــال، وبسبب البعد عن الأولاد والأهل؟ وليحرص الوالدان على تشجيع الأمور الحسنة والنهي عن التصرفات المشينة، وأن يعفوا عن الهفوة والزلة، وأن يكونا خير قدوة للذرية.

أيها المسلمون! ومما يمتاز به البيت المسلم أن أسراره محفوظة وخلافاته محدودة وخصوصياته لا يجوز البوح بها وإظهارها، فلذلك عامل على سعادة البيت وصيانته وطمأنينة أهله، والمحافظة على كيان الأسرة وعدم زعزعتهـا.

روى مسلم أن رسول الله ﷺ قال: «إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها».

اتقوا الله- عباد الله- واعلموا أن صلاح الأسرة طريق أمان المجتمع كله، وهيهات أن يصلح مجتمع وهت فيه حبال الأسرة وانقطعت، كيف وقد امتن الله بهذه النعمة، نعمة اجتماع الأسرة وتآلفها وارتباطها، ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴾ [النحل: 72]، وإن الشيطان حين يفلح في فك روابط البيت والأسرة، فهو لا يهدم بيتًا واحدًا، ولا يحدث شرًا محدودًا، وإنما يوقع الأمة جمعاء في أذى مستمر وشر مستطير، فرحم الله رجلًا محمود السيرة طيب السريرة، سهلًا رفيقًا، رحيمًا بأهله حازمًا في أمره، لا يكلف إلا شططًا، ولا يهمل في مسؤوليته، ورحم الله امرأة لا تطلب غلطًا ولا تكثر لغطًا، صالحة قانتة حافظة للغيب بما حفظ الله، فاتقوا الله يا أرباب البيوت، واجعلوا من بيوتكم مصادر إضاءة ونور هداية، ولا تجعلوها أوكارًا للشيطان ومأوى لأعداء الرحمن، فإن الله تعالى سائلكم عما استرعاكم «فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» واقتدوا بقدوة خير الناس أجمعين.

وصلوا وسلموا عليه كما أمركم الله جل وعلا بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.