أهمية العلم في دين اللـه ﷻ:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:

قال البخاري رحمه الله في صحيحه: باب العلم قبل القول والعمل لقول الله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ فبدأ بالعلم، وأنَّ العلماء هم ورثة الأنبياء، ورثوا العلم، من أخذه أخذ بحظ وافر، ومن سلك طريقا يطلب به علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة، وقال جل ذكره: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28] وقال: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 43] ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: 10] وقال: ﴿ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾ [الزمر: 9] وقال النبي ﷺ: «من يُرِد الله به خيرًا يفقهه في الدين» وإنَّما العلم بالتعلم، وقال أبو ذر: لو وضعتم الصمصامة (أي السيف) على هذه -وأشار إلى قفاه- ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من النبي ﷺ قبل أن تجيزوا عليَّ لأنفذتها. وقال ابن عباس: «كونوا ربانيين» حلماء فقهاء، ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.

قوله رحمه الله: العلم قبل القول والعمل يدل على أنَّ العلم شرط في صحة القول والعمل، ولا يعتبران إلا به.

والعلم المقصود: العلم بالله تعالى وبدينه، والعلم بأمره ونهيه، والعلم بمنهاج نبيه ﷺ، فلا يعبد العبد ربه على بصيرة إلَّا بالعلم، ولا تستقيم الأمة على المنهاج الصحيح إلَّا بالعلم، ولا تسير الدعوات الإصلاحية سيرًا سليمًا إلَّا بالعلم.

ولذلك كان للعلم مكانة لا يوازيها شيء، ولذلك قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: كفى بالعلم شرفًا أن يدعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا نسب إليه، وكفى بالجهل ذمًّا أن يتبرأ منه من هو فيه.

ومن هنا أخذت مكاتب الدعوة وتوعية الجاليات في المملكة على عاتقها مهمة التعليم وجعلتها من أشد أولوياتها، وبلا شك هذا عين الحق، إذ إن الدَّعوة لا تقوم إلَّا على العلم، ولا تتقدم الأمة إلَّا بهذا العلم.

قبل زمن ليس بطويل كانت وسائل التعليم منحصرة في القلم والسبورة والكتاب مع قلة في هذه الوسائل، ثم جاء هذا العصر الإلكتروني الذي توافرت فيه وسائل التعليم كما يعرف الكبير والصغير، والعالم والجاهل، وقد أدخلت المدارس التقنية الجديدة ضمن وسائل التعليم، من التلفزيون والفيديو وأشرطة سمعية وبصرية، والحاسب الآلي، والإنترنت، مع توفير السيديهات في موضوعات متنوعة، كل ذلك يخدم عملية التعليم، ويسهِّل طلب العلم. والداعية والمعلِّم أحق الناس بالاستفادة من هذه الوسائل الحديثة المتوافرة بسهولة. ولـمَّا كان المطلوب من الداعية أن يدعو إلى الله تعالى على بصيرة وعلم امتثالًا لقوله تعالى: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: 108] نفَّذت مكاتب الدعوة وتوعية الجاليات هذا الأمرَ الإلهي، فأقامت دورات شرعية لمستويات مختلفة من الناس والجنسيات، فجزاهم الله خيرًا، ولعلِّي هنا ألخص بعض المعالم والوسائل التي يمكن أن تسهم بها مكاتب الدعوة وتؤدي دورًا أعظم من دورها الحالي فيعظم نفعها.

ومما يقترح في ذلك:

الاتفاق على منهج تعليمي موحد للداخلين في الإسلام، ويركز في هذا المنهج على أصول الدين من العقيدة الصحيحة، والعبادات، والمعاملات المالية، والسلوكيات.

أن يوجد موقع إلكتروني لكل مكتب، ويركز على أكثر من لغة من اللغات الحية غير العربية مثل: الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والأردية، وبنغالية، والتاميل، والأندونيسية.

وأشيد هنا بموقع مكتب الدعوة وتوعية الجاليات بالربوة في الرياض حيث أخذ موقعه الأول بين المواقع الإسلامية.

المشاركة قدر الإمكان في القنوات الفضائية للتعليم وبخاصة للمسلمين الجدد. 

التعليم عن بعد، وهذه وسيلة بدأت تنتشر، وتُستخدم فيها التقنية الحديثة، ومن أهم فوائدها ربط كل متعلم بالمكتب ولو كان في بلد بعيد.

التعليم بالانتساب، وذلك إذا لم يتيسر التعليم عن بُعد.

العناية بالاستشارات العلمية المناسبة والربط بعدد من العلماء وطلاب العلم لكل من ينتسب للمكتب من المتعلمين حتى ولو تجاوز مرحلة تعليمية معينة، وتكون هذه الاستشارات مباشرة أو غير مباشرة، كالهاتف أو البريد الإلكتروني أو غيرهما، ولا تكفي الاستشارة للفتوى.

من أهمِّ ما يخدم هذا الدين أن تقوم بعض المكاتب عن طريق بعض المختصين بانتقاء بعض الأشرطة العلمية المفيدة وترجمتها بلغات حية مختلفة وتوزيعها، بعد التأكد من أنَّ المادة خالية من أي انحراف عقدي أو معرفي، والتأكد قبل التوزيع أن موضوع الشريط مناسب لمن يعطاه، وتُصنَّف المادة العلمية تصنيفًا علميًّا جيدًا.

التعليم بالمراسلة، فيكون لكل مكتب عدد من الطلاب والطالبات يواصلون معهم التعليم ويزودونهم بالكتب والاستشارات والأشرطة وغيرها.

الاتفاق مع الشركات والمؤسسات لتعليم منسوبيها، وبالذات أيام العطل الأسبوعية والسنوية، والفترات المسائية بعد الدوام لمدة يومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع.

الدورات العلمية المركزة في موضوع معين، كبعض موضوعات العقيدة، مثل السحر والشعوذة أو بعض موضوعات الأحكام كالصلاة ومسائلها ومسائل الصيام في شهر رمضان، وصفة الحج وذلك قبل موسم الحج.

المخيمات العلمية في موضوع أو موضوعات مختلفة، وتقام في العطل الأسبوعية أو السنوية، وهذه من أنفع الوسائل إذا اقترنت بموضوعات -مع النواحي العلمية- الآداب والأخلاق والتعامل، ووسائل الدعوة.

آثار هذا العمل:

لا شكَّ أنَّ للعمل العلمي آثارًا عظيمة وبخاصة إذا استخدمت التقنية الحديثة، ومنها: نشر العلم، وهو من أهمِّ الأعمال، فتعليم أمور الدين مع الدعوة جنبًا إلى جنب أفضل ما يقدمه الداعية، والنبي ﷺ مع كونه داعيًا إلى الله كان معلِّما، ومن مهمته تعليم الناس الكتاب والحكمة، وبعث ﷺ معاذًا إلى اليمن أميرًا ومعلمًا، كما أنه ﷺ بعث أبا عبيدة إلى أهل اليمن يعلمهم السُّنة والإسلام. ونشر الدين، فالدِّين الإسلامي جاء لينتشر في المعمورة كلها بعز عزيز أو ذل ذليل، كما في حديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن المقداد بن الأسود قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز أو ذل ذليل، إما يعزهم الله عز وجل فيجعلهم من أهلها، أو يذلهم فيدينون لها» وهذا الخبر عن سيد البشر لا يتحقق إلا ببذل الأسباب من التعليم والدعوة بجميع وسائلها المتاحة.

التثبيت للمسلمين الجدد، فلا يكفي أن يدخل بعض الناس في دين الله ثم يُتركون يعملون كيف يشاؤون ويعتقدون ما يحلو لهم، بل لا بد من متابعتهم وتعليمهم أمور دينهم، وإلا قد يكون بعضهم فتنة للمسلمين.

تحقق الغاية الكبرى وهي صحة العبادة الموصلة إلى رضا الله سبحانه وتعالى ودخول الجنة والعتق من النار. أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه المكلمات الكاتب والقارئ وأن يوفقنا للإخلاص في القول والعمل، إنه سميع قريب، وصلَّى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.