home-icon
ومع الحج (كلمة)

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

نعيش هذه الأيام أفضل الشهور والأيام، أما الشهور فهي شهور الحج، لقول الله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ[البقرة: 193]، وأما الأيام فهي العشر الأوائل من ذي الحجة التي أقسم الله بها في كتابه المبين: ﴿وَالْفَجْرِ ۞ وَلَيَالٍ عَشْرٍ[الفجر: 1-2] قال فيها النبي ﷺ: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام»، ومن بين هذه الأيام العشر يوم عرفة الذي جاءت في فضله نصوص كثيرة، «ما رئي الشيطان يومًا هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما أري يوم بدر»، قيل: وما رأى يوم بدر يا رسول الله؟ قال: «أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة».

نعم، نعيش هذه الأيام الفاضلة، والأمة المسلمة تعيش حالة من الاضطراب الفكري والثقافي والإعلامي والسياسي على مستوى الأفراد والجماعات والدول، خصوصًا مع بداية ما يسمى الربيع العربي، حيث تسير إلى مستقبل مجهول، الأمر الذي يضع أهل التوحيد أمام مسؤوليات عظام، ويفرض عليهم التعامل مع هذه الأحداث وفق خطوات وآليات كثيرة، منها:

أولًا: التعامل الجدي والصادق مع الأحداث، بعلم ودراية، من خلال دراسة هذه المتغيرات والأحداث وتحليلها وفق السنن الربانية، المستقاة من كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، حيث وردت نصوص كثيرة عن التحولات الفكرية والاجتماعية للأمم الغابرة، وفيها كثير من الدروس والعبر، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ[يوسف: 111].

ثانيًا: التعامل مع الأحداث والمتغيرات بالوعي والتخطيط، ووضع البرامج وخطط التنمية البشرية على مستوى الأفراد والمؤسسات والدول، وفق الضوابط الشرعية، والآليات العلمية الدقيقة.

ثالثًا: العمل بتفاؤل وثقة في خضم هذه الأمواج الفكرية والسياسية والاجتماعية المتقلبة، انطلاقًا من قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ[يوسف: 87].

رابعًا: إعمال فقه الأولويات في العمل، تفاديًا لإهدار الأوقات والطاقات، وعلى سبيل المثال، التركيز على القواعد العامة في الدين لدى المسلمين، عبر الوسائل والآليات المتاحة من الكتب والبرامج الإذاعية واللقاءات الفضائية والإنترنت، وخصوصًا أيام الحج، حيث يجتمع فيه المسلمون من كل حدب وصوب، بكل أطيافهم وألوانهم ولغاتهم، من خلال الآتي:

  • ترسيخ عقيدة التوحيد في النفوس، وإخلاص العبودية لله تعالى، فهو الأصل الذي يبنى عليه سائر الأعمال، قال الله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا[النساء: 36].
  • توحيد كلمة المسلمين وخطابهم نحو الأهداف المرجوة، بالرجوع إلى كتاب الله ﷻ وسنة نبيه ﷺ، وإلى أهل العلم الشرعي المعروفين، والابتعاد عن أهل الهوى والمغالين والمتشددين المفرقين بين الناس، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[النحل: 43].
  • التثبت في نقل الحقائق وعدم الانسياق وراء الشائعات التي من شأنها إضعاف الأمة، وزرع الخوف والقلق في نفوس أبنائها، خصوصًا في أيام الحج، حيث تكثر الشائعات قبيل مناسك الحج، حول توقع حدوث مشكلات وأحداث كبيرة، أو تفشي الأمراض الفتاكة بين الحجيج، ونحوها، انطلاقًا من قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا[الحجرات: 6].
  • توعية المسلمين بضرورة توحيد الصفوف، على مستوى الأفراد والجماعات والمؤسسات، وعلى مستوى الدول، لمواجهة التحديات المتنوعة التي تهدد كيانهم وقوتهم، في ظل هذه المتغيرات السريعة في العالم.
  • العمل على توحيد جهود أبناء الأمة المختلفة، والاستفادة من طاقاتهم في الميادين المتنوعة، وتبادل الخبرات فيما بينهم، والحفاظ عليها من الضياع والإهمال، ووضع الخطط والبرامج اللازمة لذلك.
  • الانشغال بما ندب إليه النبي ، من الأعمال الصالحة، حيث قال ﷺ: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام»، قال رجل: ولا الجهاد في سبيل الله، قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء».

وينقسم العمل الصالح المقصود في الحديث إلى قسمين:

على المستوى الفردي: مثل أداء الصلوات، وقيام الليل، وقراءة القرآن، والدعاء، والذكر، وتعلم العلم وغيرها، قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ[البقرة: 198]، وقال النبي ﷺ: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»، وقال أيضًا: «فأكثروا فيهن من التكبير والتحميد والتهليل». ومن الأعمال الصالحة أيضًا في العشر من ذي حجة، أعمال الحج المختلفة، من لبس الإحرام، والطواف والسعي، والوقوف بعرفة، ورمي الجمرات، والنحر، وغيرها.

على المستوى الجماعي: فهي تلك القواعد العامة السابقة، وغيرها من الأعمال مثل تعليم العلم، والإنفاق في وجوه الخير، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الناس وقضاء حوائجهم ونحوها. أسأل الله ﷻ أن يعين المسلمين ويوفقهم للأعمال الصالحة ويسددهم في هذه العشر، ويجعلها مباركة عليهم بالطاعات، والقوة والتمكين، والنصر على الأعداء، وأن يوفق حجاج بيت الله في أداء مناسكهم، ويتقبلها منهم، إنه سميع الدعاء.

وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.