
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فمن الأمور التي يثلج صدور المؤمنين وتسرهم: انتشار حلقات القرآن الكريم في جميع أرجاء المملكة العربية السعودية قرًى وأمصارًا، للبنين والبنات والموظفين والأمهات لجميع المستويات، ولله الحمد والمنة.
ومن بركة هذا القرآن العظيم أننا سمعنا كثيرًا أن صغارًا في السن قد فاقوا كبارهم وهم يغتبطون بهم لأجل تعلمهم القرآن الكريم، وحقًّا قال الرسول ﷺ: «إن الله يرفع بهذا القرآن أقوامًا ويضع به آخرين»، وهذا ابن عباس يقول: «توفي رسول الله ﷺ وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم»، فكان عمر ﷻ يسمح له في مجلسه، بل كان يشاوره في كثير من الأمور، وهذا سالم مولى أبي حذيفة ﷻ كان يؤم المهاجرين الأولين وأصحاب النبي ﷺ في مسجد قباء، فيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة وزيد وعامر بن ربيعة ﷻ. وسالم في ذلك الوقت كان مولى وصغير السن، ولكن القرآن رفعه.
ولكنَّ الملحوظ مع انتشار هذه الحلقات ما يشكو به بعض المعلمين من امتهان بعض الناشئة للمصاحف في أثناء القراءة فيها أو بعد ذلك من تمزيق أو كتابة فيها أو رميها على الأرض، قال النووي رحمه الله: أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته.
ولأجل ذلك نهى رسول الله ﷺ عن السفر بالمصحف إلى أرض العدو -كما في صحيح البخاري- لئلا يمتهن العدو المصحف.
وعلاج هذه الظاهرة يمكن بالنقاط التالية:
- ألا يُعطى المصحفُ مَن هو دون سن التمييز، وإنما يُلقَّن بعض السور القصار من قبل المقرئ.
- أن يُعطى من هو في سن التمييز ما يناسبه من الأجزاء، فلا يُعطى من يحفظ جزء {عم} مثلًا العشر الأخير، إنما يُعطى جزء {عم} فقط، والذي يحفظ العشر الأخير لا يُعطى الثلث الأخير.
- يُعطى كل طالب مصحفًا لا يغيره، فيُعرف من يعبث به فيؤدب.
- تُرصد جوائز لمن يتخلق بأخلاق حميدة ويحافظ على مصحفه الخاص باحترام ونظافة.
- يُخصص يوم في الأسبوع لتعليم الطلاب آداب حمل القرآن، من خلال كلمة أو قراءة في كتاب مثل التبيان في آداب حملة القرآن للنووي رحمه الله.
ثمرات الحياة بالقرآن:
يقول تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 9]، ويقول تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء: 82]، ويقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 57].
فالقرآن كله هداية وموعظة، رحمة وشفاء لما في الصدور، سكينة وطمأنينة، وقد أمر النبي ﷺ عبد الله بن عمرو أن يقرأ القرآن في كل شهر، وعندما قال: أطيق أكثر من ذلك أمره أن يقرأ كل سبع ليال مرة كما في صحيح البخاري، وذلك -والله أعلم- حتى يتدبر ما يقرأ ويطبق في حياته ما يتعلم من تلاوته، ولذا قد ورد عن الصحابة أنهم ما كانوا يجاوزون عشر آيات حتى يعلموا ما فيها من أحكام ويطبقوها، فكانوا يتعلمون العلم والعمل معًا، ولذا عندما نقرأ سيرهم نجدهم قرآنًا يمشي على الأرض، وقد سُئلت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله ﷺ فقالت: «أما تقرأ القرآن؟ كان خُلُقه القرآن».
ولما كانت قراءتهم للقرآن متأنية وبتدبر كانوا يخشعون عند تلاوته راجين رحمة الله خائفين عذابه عملًا بقوله تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزمر: 23]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: 2]، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [التوبة: 124].
وقد روى البخاري في صحيحه وغيره عن عبد الله بن مسعود ﷻ قال: قال رسول الله ﷺ: «اقرأ عليَّ» قال: قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: «إني أشتهي أن أسمعه من غيري» قال: فقرأت النساء حتى إذا بلغت ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: 41] قال لي: «كُفَّ أي أمسك» فرأيت عينيه تذرفان.
فالقرآن يؤثر في حياة المسلم تأثيرًا بليغًا، فهو يهتدي في جميع شؤونه بكلام ربه سبحانه عملًا بقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل: 89].
والقرآن كله هداية ونور يضيء للناس طريقهم، وفرق كبير بين من يمشي مكبًّا على وجهه وبين من هداه الله إلى صراطه المستقيم ﴿أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 122]. والله أسأل أن يهدينا لما في كتابه من هدى وموعظة ويوفقنا للعمل به ويجعله حجة لنا لا حجة علينا، إنه سميع قريب. وصلَّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين.

كيفية مناصرة الداعية للنبي عليه الصلاة و السلام
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد: فإنَّ مكانة النبي عليه الصلاة والسلام في...

كيف نخدم السُّنة النبوية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: منزلة السُّنة النبوية: تعدُّ السُّنة النبوية مصدرًا أساسيًّا...

سب الصحابة رضي الله عنهم «وقفة تأمل»
لست هنا بصدد الكلام عن فضل الصحابة رضي الله عنهم، أو بيان تعديلهم، أو إيراد الأدلة من القرآن الكريم، والسُّنة...

حديث ابن عمر رضي الله عنه في محظورات الإحرام
يقول البلاغيون: إنَّ لكل مقام مقالًا، ولكل حدث حديثًا، وهذا العدد من مجلة الإرشاد يصدر في أيام الحج، فالمقام الحج،...

حديث ومعنًى: كل عمل ابن آدم يضاعف
مجلة الإرشاد للحرس الوطني عدد رمضان 1423هـ. يصدر هذا العدد المبارك من مجلة الإرشاد في هذا الشهر المبارك، والمسلم يتطلع...