الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، وبعد:

فإنَّ الزواج الناجح يقوم على المودة والرحمة، وغضِّ النظر عما في الزوج من تقصير، ولن ينجح الزواج القائم على البغض والكراهة، والتعنيف والإيذاء، ومما يؤذي الزوجة ويحرمها الراحة النفسية ويدخل إليها الهم والغم ويوقعها في حرج تهديدها من الزوج بالتزوج بأخرى لما خلق الله الغيرة في النساء، وظنَّ الرجل أن معنى قوامته هو أن يتسلط عليها بالسب والشتم وإثارة الغيرة فيها حتى تفقد عقلها ظن في غير محله، ومن الرجال من يقوم بضرب زوجته ضربًا مبرحًا كأول علاج لتقصير واقع من الزوجة، كان هذا التقصير بقصد منها أو بدون قصد.

أمَّا شرعنا الحنيف فإنه يعلمنا أن معنى القوامة ليس في التشديد والتعنيف، والتوبيخ والتهديد، إنما هو توجيه برفق ولطف، وإرشاد بالحكمة والإحسان، ولا يكون ذلك إلَّا بالاقتداء بقدوتنا محمد ﷺ القائل: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، الذي لم يكن يواجه الناس بالعتاب فضلًا على من هن أقرب الناس إليه من الزوجات والبنات.

تقوية جانب الفقه في الدين، بأنَّ الله تعالى أمر المسلمين بالمعاشرة الحسنة، فقال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19] وأنَّ النبي ﷺ أمر أمته بحسن العشرة مع زوجاتهم، وقدم نفسه قدوة في ذلك، ولم يؤثَر عنه ﷺ التعنيف والتهديد تجاه زوجاته.

تعريف معنى القوامة، بأنها إرشاد وتوجيه، وتصحيح وتقويم، والقوامة تظهر في أداء حقوقها في المطعم والمشرب، والملبَس والمَسكن، والمبيت وإشباع غريزتها، وتعليم أمور دينها، والتي لا تطيعه في غير معصية الله فعليه موعظتها، فإن لم ترتدع فله أن يهجرها، فإن لم ترتدع بالموعظة ولا بالهجران فله أن يعاقبها عقابًا خفيفًا، ولحظة عودتها إلى صوابها يحرُم عليه أي من الهجران والعقاب، يقول تعالى: ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾ ويقول تعالى بعد ذلك: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34] تهديد للرجال إذا بغوا على النساء بغير سبب، فإنَّ الله العلي الكبير وليُّهن، وهو ينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن.

معرفة حقوق المرأة على الزوج، ومن حقوقها عليه ضبط اللِّسان عند حدوث المشكلة وارتفاع سَوْرة الغضب، فالسكوت في هذه الحالة أفضل، وليذكر قول النبي ﷺ: «وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم؟».

التروي والحكمة عند حدوث المشكلة، فليس هناك بيت إلا وفيه مشكلات صغيرة أو كبيرة، ولا تعالج إلا بالتروي والحكمة، وأصاب الندامة من أراد حلها بالعجلة، وإنْ أراد حلها بالتهديد بزوجة أخرى فهو ليس على جادة الصواب وقد يورثها الندامة والعذاب. والمطلوب من الزوج أن يدخل السرور على قلب زوجته، وأما التهديد بزوجة أخرى فليس من إدخال السرور، بل من إدخال الحزن، وتكدير صفاء المودة.
والمطلوب من الزوج الاقتداء بالنبي ﷺ في تحمل الأذى والصبر على الزوجات، وكن يراجعن النبي ﷺ ويقع منهن تصرفات تستوجب الحِلم والتروِّي.

النظر إلى محاسن زوجته، فإنه ليس إنسان إلَّا ويوجد فيه محاسن وعيوب، فإذا نظر إلى محاسنه أعجبه، وإذا نظر إلى عيوبه لم يعجبه، يقول ﷻ: ﴿ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 19] وقال ﷻ: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216] وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إنْ كره منها خُلُقًا رضي منها آخر، أو قال: غيره». وليعلم المرء أن ما ينتج عن تهديده بزوجة أخرى قد يكون أفظع وأسوأ من النشوز المستمر والعصيان الدائم وحرمان المودة والوئام، مما كانت عليه قبلُ من تقصير خفيف، أو أمور لا دخل لها فيها من جمال أقل أو قصر في القامة. نسأل الله تعالى أن يفقه المسلمين في دينهم، ويوفقهم لأداء حقوق ربهم وأداء حقوق العباد من الوالدين والأولاد والزوجات والأقارب والجيران وجميع إخوانهم المسلمين، ويجنبهم المعاصي والزلات، ويغفر لنا ولهم ولجميع المؤمنين والمؤمنات، إنه سميع قريب

وصلَّى الله وسلَّم على محمد وآله وصحبه أجمعين.