
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإنَّ ظاهرة اتخاذ الأخدان والعشيقات من الفواحش والمنكرات التي تفشت واستشرت في المجتمعات، وأصبح من الأهمية بمكان مواجهتها بالنصح والبيان لما جاء في الزجر عنها من الوعيد الشديد بالعقاب الدنيوي والأخروي. فإنَّها ظاهرةٌ تدل على ضعف الإيمان واستحواذ الهوى على القلوب، والجرأة على محارم الله جل وعلا، فلا يقع فيها إلَّا من استهان بالأوامر الشرعية ومراقبة الجليل تبارك وتعالى.
زجر القرآن عن اتخاذ الأخدان:
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه: ﴿ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۚ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [النساء: 25].
وقال ﷻ: ﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 5].
ففي هاتين الآيتين النهي للرجال والنساء جميعًا عن اتخاذ الأخدان، أي الخليلة والصاحبة للرجل، أو الخليل والصاحب للمرأة، بغير السبيل الشرعي النقي الطاهر الذي جعله الله تعالى غُنية وكفاية عما نهى عنه وزجر جل وعلا، فله الحمد والمنة؛ لم ينه عن شرٍّ إلا وأعطى ما هو خير منه مما أحل سبحانه وتعالى.
تزيين الشياطين العشق المحرَّم!
واتخاذ الأخدان هو ما يعرف اليوم بالعشيقة للرجل أو العشيق للمرأة، وغيرها من الأسماء التي يزيِّن بها الشيطان للناس سوء أعمالهم.
ولا عجب في ذلك؛ فقد أصبحت وسائل الإعلام التي لا زمام لها اليوم ولا خطام، تتنافس في إشاعة الفاحشة ونشرها، وتزيين هذه المنكرات تحت أسماء يخادعون بها أنفسهم والناس من صداقة بريئة أو علاقة جريئة، ونحوها من الأوصاف الباطلة للعلاقات المحرمة بين الرجال والنساء.
وصدق المولى تبارك وتعالى:﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: ۱۲۱]، ﴿ شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾ [الأنعام: ١١٢].
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي اللَّهُ عَنْهُ أنَّ رسول الله ﷺ قال: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجل زناها الخطى، والقلب يهوي ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه».
فسمَّى الله هذه المقدمات المحرمة «زنا» في زجر بليغ عنها؛ لئلا يستهان بها!
بين الداء والدواء:
إنَّ استشراء هذا الداء وانتشاره في المجتمعات اليوم، إنمَّا هو بسبب الغفلة عن ذكر الله تعالى، واتباع خطوات الشيطان، فإنَّ العشق المحرَّم لا يقع إلَّا بعد خطوات يتدرج بها الشيطان بالمرء شيئًا فشيئًا؛ من نظرة محرمة، ففكرة آثمة، فسعي إلى تواصل محرم، حتى تقع الفاحشة، والعياذ بالله.
وهذا ما يعلمه أهل الفساد أنفسهم، حتى قال قائلهم -فصدق وهو كذوب- «نظرة فابتسامة فموعد ولقاء!».
قال الشاعر في التحذير من شر اتباع خطوات الشيطان:
كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشـرر
وخير من كل ذلك قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21].
فليحذر كل مسلم ومسلمة من حيل الشيطان ومكره، وليتقوا الله سبحانه وتعالى في أنفسهم!
الواجب لدفع هذا المنكر!
إنَّ خيرية هذه الأمة منوطة بالقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والواجب أن تتضافر جهود الجميع، رعاة ورعية، في مواجهة شيوع هذه المنكرات والأخذ على أيدي العابثين والذين في قلوبهم مرض. فعلى ذوي المسؤولية والسلطة كفُّ أيدي العابثين ممن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، الذين تنتشر سمومهم في وسائل الإعلام الكثيرة. كما أنَّ على القائمين على مؤسسات التربية والتعليم مسؤولية عظيمة وخصوصًا في تربية الشباب والفتيات على حب الفضيلة ومكارم الأخلاق، وبذل الجهود والبرامج الداعمة لذلك، مع المتابعة الجادة.
وممن تعظم به مسؤوليته القائمون على الإعلام، مسموعه ومرئيه ومقروئه، في تكثيف البرامج المفيدة، وكفِّ المناظر السيئة في المجلات والتلفاز والفضائيات؛ مما ينشر الرذيلة ويزينها، فعليهم أن يتقوا الله ويحاسبوا أنفسهم قبل فوات الأوان. ومن الإنصاف في هذا المقام شكر هذه البلاد وهيئة الأمر بالمعروف فيها على الجهود الحثيثة لملاحقة أوكار الفساد والرذيلة والعلاقات المحرمة، فزادهم الله توفيقًا وذودًا عن أعراض المسلمين، وحراسة للفضيلة. وإنَّ القيام بهذا الواجب لمن أهمِّ أسباب دفع البلاء والعقوبة عن المجتمع، قال رسول الله ﷺ: «إنَّ الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك أن يعمهم الله بعقابه». وفي لفظ عن ابن مسعود رضي اللَّهُ عَنْهُ : «ما ظهر في قوم الربا والزنا إلَّا أحلوا بأنفسهم عقاب الله». كما أنَّ على كل مسلم ومسلمة بذل جهده في النصيحة والنهي عما يقف عليه من ذلك، أو رفعه للجهات المختصة. نسأل الله تعالى أن يعيذنا من غضبه وعقابه، وأن يحفظ أعراض المسلمين، ويكفَّ شر العابثين والمفسدين عن بلادنا وسائر بلاد المسلمين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

كيفية مناصرة الداعية للنبي عليه الصلاة و السلام
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد: فإنَّ مكانة النبي عليه الصلاة والسلام في...

كيف نخدم السُّنة النبوية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: منزلة السُّنة النبوية: تعدُّ السُّنة النبوية مصدرًا أساسيًّا...

سب الصحابة رضي الله عنهم «وقفة تأمل»
لست هنا بصدد الكلام عن فضل الصحابة رضي الله عنهم، أو بيان تعديلهم، أو إيراد الأدلة من القرآن الكريم، والسُّنة...

حديث ابن عمر رضي الله عنه في محظورات الإحرام
يقول البلاغيون: إنَّ لكل مقام مقالًا، ولكل حدث حديثًا، وهذا العدد من مجلة الإرشاد يصدر في أيام الحج، فالمقام الحج،...

حديث ومعنًى: كل عمل ابن آدم يضاعف
مجلة الإرشاد للحرس الوطني عدد رمضان 1423هـ. يصدر هذا العدد المبارك من مجلة الإرشاد في هذا الشهر المبارك، والمسلم يتطلع...