
مقال في نشرة الجائزة في حفلها لدورتها الثانية ـــ الرياض، الأحد 12/11/1427هـ جائزة الأمير نايف للسُّنة النبوية والدراسات الإسلامية ــ سُنة حسنة
جعل الله تعالى هذه الدنيا للناس دار ابتلاء واختبار ليبلوهم أيُّهم أحسن عملًا، لقوله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك: 2]، ثم يجازيهم على أعمالهم إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشر، يقول جل شأنه: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97]، ويقول جل وعلا: ﴿وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِيٓ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِيرٗا﴾ [طه: 124، 125].
وإيمانًا بهذه السُّنَّة الإلهية وتصديقًا بمعالمها يتحرك المؤمن في الحياة لينال أفضل الأجر وأعظم المثوبة من الله تعالى، فيضرب في الأرض ويسعى فيها ويبذل كل قدراته وإمكاناته، ليقدم ما تيسر من الأعمال الصالحة التي تقربه إلى الله تعالى.
وتتفاوت هذه الأعمال وتتباين، فلا يمكن تصنيفها ووضعها في درجة واحدة، فمنها ما يكون نفعها محدودًا وآنيًّا، ومنها ما يتجاوز نفعه الجيل الحاضر ليصل إلى الأجيال المقبلة واللاحقة، كما هي حال هذه الجائزة المباركة، التي أنشئت وأُسست من منطلق إيماني راسخ لتخدم أهم مصادر التشريع بعد كتاب الله تعالى، ألا وهو «السُّنة النبوية»، وهو شرفٌ كبيرٌ ونعمةٌ عظيمةٌ لصاحب الفكرة ومؤسسها. والحصيف من الناس من يسعى في حياته ليغرس فيها من الخير ما شاء، فينتفع الناس من غرسه، وينال بعدها الأجر المتواصل إلى يوم القيامة، ونحسب أنَّ خير هذه الجائزة يعم الناس والأجيال بالفوائد الكثيرة، وتكسب صاحبها الأجر والثواب عند ربه سبحانه وتعالى، لأنَّها تدخل في باب الصدقات الجارية التي لا ينقطع أجرها.
أهمية السُّنة النبوية:
ولعلَّ من أهمِّ ما يميِّز هذه الجائزة عن غيرها من الجوائز، أنها تخدم سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وتشجع الإبداع فيها عن طريق المنافسة في البحث فيها، ومعلوم أنَّ أهمِّية هذه السنة المباركة ومكانتها في الدين الإسلامي، والتي تظهر من خلال النقاط الآتية:
- السُّنَّة النبويَّة هي مصدر أساسي للتشريع الإسلامي بعد كتاب الله تعالى، وقد جاء الأمر الإلهي باتباعها واتِّباع صاحبها بقوله: ﴿مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: 7].
- تُعدُّ السُّنَّة النبوية مفسرة لمبهم القرآن الكريم ومجمله، فعلى سبيل المثال لولا السُّنة النبوية لما عرف المؤمنون أوقات الصلوات وكيفية أدائها وعدد ركعاتها، لأنَّها جاءت في القرآن مجملة، ثم جاءت السُّنة لتوضح ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: «صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي»، وكذلك الحال بالنسبة لسائر الأركان والفروض والأحكام.
- السُّنة النبوية هي الترجمة العمليَّة للقرآن الكريم، لأنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام كان يجسد القرآن على الأرض قولًا وعملًا، سئلت عائشة رضي الله عنها عن خُلق رسول الله عليه الصلاة والسلام فقالت: «كان خُلقه القرآن».
- السُّنة النبوية جاءت مكملة للقرآن الكريم في كثير من الأحكام والأحداث والحالات التي لم يرد فيها نص قرآني، وأحسب أن لهذه الجائزة المباركة آثارًا عظيمة في حياة الأمة، أذكر منها ما يلي:
- الجائزة سببٌ لحفظ السُّنة النبوية من الضياع والتبديل والتحريف، وذلك من خلال تهيئة الأسباب الكفيلة بذلك، من الحضِّ والحثِّ على كتابة البحوث العلمية التي تخص السنة النبوية وتخدمها في جميع الميادين، ومنح المكافآت السخية لأصحابها سواء كانت مادية أو معنوية.
- وسيلةٌ مباركةٌ لإحياء روح التنافس الخيِّر بين أهل العلم والمختصين في السنة النبوية، فقد مدح الله سبحانه وتعالى الـمؤمنين الذين يسارعون في الخيرات بقوله: ﴿أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: 61].
- هذه الجائزة تبعث في الأمة روح الإبداع والاجتهاد، حين تفتح أبوابها أمام الباحثين والمختصين في السنة النبوية، ليقدموا أفضل البحوث والدراسات والمقترحات حول السنة النبوية وخدمتها.
- هذه الجائزة هي أسلوب دعوي فاعل وحكيم تساند الميادين الدعوية الأخرى، وتعمل بمقتضى قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل: 125].
- هذه الجائزة تسهم في تقريب السنة النبوية المباركة من الناس جميعًا بمختلف طبقاتهم ومستوياتهم العلميَّة.
- هي حصن منيع تتحطم على أسواره جميع الشبهات والأباطيل التي تثيرها المؤسسات الغربية وأعوانها حول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام والسنة النبوية المباركة.
- سُنَّةٌ حسنةٌ استنَّها صاحبها في هذه الحياة ليكسب أجرها وأجر من يعمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء، وليقتدي بهذه السنة المباركة الآخرون فيجتهدوا لإنشاء مراكز علميَّة أخرى تهتم بالدراسات العلمية المتنوعة التي تثري حضارة الأمة المسلمة وتخرج كنوزها.
إنَّنا نحن –المختصين في السُّنة النبوية بخاصة، والباحثين في علوم الشريعة بعامة– نشعر بالاعتزاز لوجود هذه الجائزة العالمية الرحبة في ميادينها، فجزى الله راعيها -صاحب السمو الملكي الأمير/ نايف بن عبد العزيز آل سعود- خير الجزاء، وجعل هذه الجائزة رصيدًا مضاعفًا له في الدنيا والآخرة، وبركة في الحياة، وذخرًا له بعد الممات، وحسنة لا ينقطع أجرها، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كيفية مناصرة الداعية للنبي عليه الصلاة و السلام
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد: فإنَّ مكانة النبي عليه الصلاة والسلام في...

كيف نخدم السُّنة النبوية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: منزلة السُّنة النبوية: تعدُّ السُّنة النبوية مصدرًا أساسيًّا...

سب الصحابة رضي الله عنهم «وقفة تأمل»
لست هنا بصدد الكلام عن فضل الصحابة رضي الله عنهم، أو بيان تعديلهم، أو إيراد الأدلة من القرآن الكريم، والسُّنة...

حديث ابن عمر رضي الله عنه في محظورات الإحرام
يقول البلاغيون: إنَّ لكل مقام مقالًا، ولكل حدث حديثًا، وهذا العدد من مجلة الإرشاد يصدر في أيام الحج، فالمقام الحج،...

حديث ومعنًى: كل عمل ابن آدم يضاعف
مجلة الإرشاد للحرس الوطني عدد رمضان 1423هـ. يصدر هذا العدد المبارك من مجلة الإرشاد في هذا الشهر المبارك، والمسلم يتطلع...