الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
عن صفية عن بعض أزواج النبي عليه الصلاة والسلام عنِ النبي عليه الصلاة والسلام قال: «من أتى عرَّافًا فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة».

هذا الحديث يبحث في موضوع مهمٍّ، يمس حياة كثير من الناس، ابتلاهم الله سبحانه وتعالى بملاحقة الكهان والعرَّافين والمشعوذين لمعرفة مستقبل حياتهم –كما يزعمون–، أو لشفاء أمراضهم والتداوي عندهم، أو حلِّ مشكلاتهم وما يعترضهم من العقبات.

وورد في رواية أبي هريرة رضي الله عنه: «من أتى عرَّافًا أو كاهنًا فصدَّقه فيما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد عليه الصلاة والسلام». وفي البزار والطبراني عن عمران بن حصين: «ليس منَّا من تطير أو تُطير له، أو تكهن له، أو سحر له، ومن أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد عليه الصلاة والسلام».

والعراف: الذي يدَّعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك.
والكاهن: الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وقيل: هو الذي يخبر عمَّا في الضمير.
والطيرة: تشاؤم بنوع من الطيور أو الحيوانات أو غيرها، وهو بابٌ من أبواب الشرك بالله عز وجل.

يقول ابن القيم رضى الله عنه: من اشتهر بإحسان الزجر عندهم سموه عائفًا وعرافًا، والمقصود من هذا معرفة أنَّ من يدعي علم شيء من المغيبات فهو إمَّا داخل في اسم الكاهن، وإمَّا مشارك له في المعنى فيلحق به، وذلك أنَّ إصابة المخبر ببعض الأمور الغائبة في بعض الأحيان يكون بالكشف، ومنه ما هو من الشياطين، ويكون بالفأل والزجر والطير والضرب بالحصى والخط في الأرض والتنجيم والكهانة والسحر ونحو هذا من علوم الجاهلية… وكل هذه الأمور يسمى صاحبها كاهنًا وعرَّافًا أو في معناهما، فمن أتاهم فصدَّقهم بما يقولون لحقه الوعيد.

وقوله عليه الصلاة والسلام: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء…» يدلُّ على أنَّ الوعيد مرتَّبٌ على مجيئه وسؤاله سواء صدَّقه أو شكَّ في خبره، فالواجب على المسلم ألا يأتي العرافين ولا الدجالين ولا الكهان الذين يتسببون في تشكيكه في معتقداته ويضعفون يقينه وإيمانه بالله جل شأنه، ويعتقد أنه لا يعلم الغيب إلَّا الله. ووعيد من أتى عرَّافًا فسأله عن شيء ولو لم يصدقه أنه لا تقبل صلاته أربعين يومًا!! وأمَّا من صدَّقه فقد اختلع الإيمان من رقبته ودخل في الكفر لاعتقاده أنَّ هناك من يعلم الغيب غير الله جل شأنه.

وليَعلم المسلم أنَّ حيل العرافين والكهان كثيرة، وأحوالهم متعددة، فليحذر منهم ومن أفعالهم، ولينتبه أن تصديقهم موجب للكفر، فكيف يكون حال من يتعاطى هذه الأفعال؟! ومن المؤسف أن تجد بعض المسلمين اليوم قد ضعف إيمانهم بربهم فيلجؤون في مشكلاتهم إلى هؤلاء الكهان ليحلوا لهم ما وقعوا فيه من مرض، أو التنبؤ لهم بما في مستقبلهم!!

والطيرة منافية للتوحيد، أو لكماله، وقد ورد التحذير من ذلك في نصوص كثيرة، منها: قوله عليه الصلاة والسلام: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر». وقوله عليه الصلاة والسلام: «الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منَّا إلا، ولكن يُذهبه الله بالتوكل». إنَّ لمتابعة الكهان والعرافين أضرارًا كثيرةً، كما أنَّ للتعلق بالتطير والتشاؤم مفاسد عظيمة، ومن أهمِّ تلك الأضرار: خلل الإيمان بالله تعالى، وضعف التوكل عليه، والقدح في كمال التوحيد، وهذا لا شكَّ عاقبته وخيمة، ونتيجته رديئة.

ومن الأضرار أيضًا: جلب الوساوس والشكوك وضعف العقل والتفكير، والتعلق بالمشعوذين والدجالين، وبالتالي تضعف ثقة الفرد بنفسه، وتغلب عليه وساوسه وهواجسه، فيكون أسير المشعوذين والكهنة والدجاجلة، أضف إلى ذلك الأضرار الاجتماعية بما يؤديه هؤلاء الكهنة من تفريق بين المرء وزوجه، وبين الأخ وأخيه، وبالتالي تتفكك الأسر وتتخلل الروابط الأخوية، ويحل التقاطع والتدابر والشحناء بدل الصلة والمودة والمحبة، ثم ما يتبع ذلك من أضرار ماديَّة، وحدِّثْ عن هذا ولا حرج.

والله أسأل أن يهديَنا لما في كتابه من هُدى وموعظة، ويجنبنا كل أنواع الشرك والبدعة مما ينافي التوحيد أو كماله، ويوفقنا للتوكل عليه والثقة به والاعتماد عليه لا على أحد سواه، إنَّه سميع قريب. وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين.